رجل مخابرات عراقي سابق يكشف لـ "روسيا اليوم" اسرار اختراق جهازه لوزارة الدفاع الامريكية

أخبار العالم العربي

تحميل الفيديو
انسخ الرابطhttps://rtarabic.com/prg/telecast/658078/

كشف سالم الجميلي رئيس شعبة امريكا في المخابرات العراقية سابقا كيف استطاعت المخابرات العراقية اختراق وزارة الدفاع الامريكية وكذلك جهاز الامن القومي والكونغرس الامريكي والحصول على معلومات هامة جدا عن الاستعداد لغزو العراق ، كما نفى ارتباط العراق آنذاك بتنظيم "القاعدة" وتحدث عن مصير"عبود" مدبر تفجيرات مركز التجارة العالمي في نيويورك.

في اطار تغطية "روسيا اليوم" لعقدٍ من غزو العراق نستضيف شخصية استثنائية لعبت دوراً كبيراً في رفد القيادة العراقية قبل الغزو بمعلومات عن العدو. ضيفنا سالم الجميلي رئيس شعبة امريكا في المخابرات العراقية سابقا.

-أنتم استاذ سالم كأي ضابط قبل أن تنتهي المعركة يقوم بحرق الوثائق. وقد قمتم بحرق الوثائق في بيت بديل لجهازكم في أحد أحياء بغداد. ولكن بلا شك هناك كثير من المعلومات لاتزال في ذاكرتكم.

 نبدأ أولاً بالذريعة التي دخلت الولايات المتحدة بها إلى العراق باعتباره متعاوناً مع "القاعدة". مدى صحة هذه المعلومة أو أنها فرية.

- طبعاً كانت أمريكا تعد لتهيئة الرأي العام الامريكي  والرأي العام الدولي للحرب على العراق.انها عملت على موضوعين أساسيين، أسلحة الدمار الشامل والموضوع الآخر هو علاقة العراق مع "القاعدة". مبدئياً، نحن لم تكن لنا أي شكل من أشكال العلاقة مع "القاعدة" ولا أي منظمة ارهابية أخرى في العالم. في فترة الثمانينات كانت لنا علاقات معينة مع بعض المنظمات. ولكن في فترة التسعينات صدر أمر من الرئاسة مفاده أن "ابتعدوا عن أي شكل من أشكال العلاقة مع أي منظمة لها علاقة بالعمل الارهابي في العالم". العلاقة المزعومة مع "القاعدة" والتي تحدث عنها بوش قال أن الرئيس صدام حسين بعث موفدين من طرفه للقاء أسامة بن لادن ولكنه لم يتحدث عن النتائج. نحن في عام 1992 خرجنا من حرب الكويت وحاول العراق أن يعيد ترميم علاقته مع الدول العربية وخاصة مع السعودية. السعودية كانت قد أخذت موقفاً في ذلك الوقت. فصدر أمر من الرئيس الراحل بأن نتحرك بكل قوة باتجاه السعودية. وطُلب من الجهاز كله ليستخدم كافة المعلومات المتوفرة لديه المتعلقة بالسعودية لاستثمارها في دعم عمل شعبة الخليج تجاه السعودية. في ذلك الوقت، كنت أنا مسؤولاً عن سورية. وكانت لدينا علاقة مع جماعة الأخوان المسلمين السوريين، جماعة جناح عدنان عقلة. هؤلاء كانوا على علاقة مع أسامة بن لادن. وأسامة بن لادن كان مقيما في السودان في ذلك الوقت. وعرضوا علينا أمكانية اقامة علاقة مع أسامة بن لادن للعمل ضد السعودية. واستحصلنا على موافقة بأن نرسل رسالة لأسامة بن لادن عن طريق الاخوان المسلمين السوريين، وتحديداً عن طريق شقيق عدنان عقلة، وهو مقيم في دولة عربية مجاورة للعراق. واستدعيناه إلى بغداد، وإلتقيت به في فندق المنصور مليا. وابلغناه بأن يوصل رسالة لأسامة بن لادن بأنه "أنت الآن لديك موقف من الوجود الأمريكي في السعودية. والآن أصبح العدو مشترك، فدعنا نتعاون فيما بيننا في تقويض النظام في المملكة العربية السعودية وبالتالي الضغط عليه كي ينتهي التواجد الأمريكي في الجزيرة العربية". فحمل الرسالة هذه وذهب بها إلى السودان، وعاد إلينا بعد شهر. وقال أنه التقى بالشيخ أسامة بن لادن ونقل له الرسالة، وكان جوابه بالشكل التالي: أنه أسامة بن لادن يرى أن النظام البعثي في العراق هو نظام كافر وهو المسؤول عن جلب الأمريكيين إلى المنطقة، وأنه لايمكن أن يلتقي مع هذا النظام أو يتعاون معه أو يعمل معه. هذا كان مضمون رسالة أسامة بن لادن. طبعاً، جرت محاولات أخرى عن طريق حسن الترابي، ولكن بقى أسامة بن لادن على نفس الموقف. كان هذا إلى غاية 1995 قبل أن ينتقل إلى أفغانستان ويبدأ شن الحرب ضد النظام والتواجد الروسي. في هذه الفترة حين أرسلنا رسالة لأسامة بن لادن، الامريكيون بدورهم كان لديهم تنسيق مع أسامة بن لادن بغية تهيئته للانتقال إلى أفغانستان لخوض الحرب ضد الوجود الروسي.

س: أي في واقع الأمر أن الأمريكيين هم من تعاون مع "القاعدة"، بينما لم يتعاون العراق بسبب رفض أسامة بن لادن التعاون معه.

-أنا لست مطلعاً على صيغة التعاون بين أسامة بن لادن والأمريكيين. ولكن اتضح فيما بعد أنه كان هناك تعاون بينهم. كان هناك تنسيق ودعم لجماعة "القاعدة" في أفغانستان ضد الروس. ولهذا عندما قال بوش أن صدام حسين أرسل أحد ضباطه إلى أسامة بن لادن.. وسكت! لم يتحدث عن النتائج. فهو صدق في القول وكذب في المضمون.

س: هذا إذاً الجانب المتعلق بأسامة بن لادن و"القاعدة"... فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل. هل فعلاً كان يمتلك العراق أسلحة دمار شامل بحيث جاءت أمريكا بجيوشها الجرارة؟

-بقي موضوع آخر فيما يتعلق ب"القاعدة". طبعاً قبل الحرب على العراق،كثفت وسائل الاعلام الامريكية الحديث عن وجود مصعب الزرقاوي في العراق. وأن مصعب الزرقاوي له علاقة مع النظام في العراق. طبعاً نحن لا نملك معلومات حول هذا الموضوع. أنا سألت المسؤول عن ملف الأردن –لأن الزرقاوي أردني- فخابرته هاتفياً وأخبرته أن هناك الكثير من الحديث حول مصعب الزرقاوي، وطلبت منه إعلامي حول هذا الموضوع . فقال لي أننا حصلنا على إشارة من المخابرات الاردنية بأن مصعب الزرقاوي مصاب وأنه يتعالج في أحد مستشفيات بغداد وحددوا وجوده في منطقة البتاويين. وفوراً شرعت المخابرات العراقية في البحث عنه في كل الأماكن. واستمر البحث عنه فترة طويلة ولم يجدوا له أي أثر. فنحن لم تكن لدينا أي علاقة مع "القاعدة" سواء عن طريق مصعب الزرقاوي أو أسامة بن لادن.وجرت محاولة لإقامة علاقة مع حكومة طالبان من خلال أحد وزرائهم الذي تواجد في باكستان. وقدم جهاز الاستخبارات العراقية مقترحا للقيادة لإقامة علاقة مع طالبان، لكن الاستاذ طارق عزيز قال أن نظام طالبان غير مستقر وليس من مصلحة العراق أن نقيم علاقة معه.

س: وأسلحة الدمار الشامل، هل كانت لدى العراق أسلحة تهدد الأمن الأقليمي والعالمي؟

- هم نسجوا قضية معينة وبنوا عليها تحليلات واستنتاجات وعبرت لهم معلومات غير صحيحة من أطراف أخرى. وحاولوا أن يقنعوا الرأي العام الدولي بهذا الشأن. طبعاً العراق كان مغلقاً من الناحية الأمنية. فهم ليست لديهم مصادر داخل العراق ممكن أن توصل لهم الحقيقة. ولهذا اعتمدوا على أطراف أخرى لعبت دورا في أن تمرر لهم معلومات غير حقيقية. على سبيل المثال، صور الشاحنات والسيارات والمختبرات التي قالوا عنها أنها مختبرات لانتاج الأسلحة الكيمياوية. انها مختبر متنقل لفحص الأطعمة والأغذية في المواقع الرئاسية. فأخذوا لها صوراً ونسجوا منها قضية بأنه مختبر أسلحة كيماوية.

س: استاذ سالم أريد أن أسألك كرجل مخابرات. هذا الجدار السميك من السريّة في العراق. هل كان في صالح العراق أم في طالحه. بمعنى لو كان هنالك قدر من الشفافية. ربما كان العدو يعرف بعض الشيء، وقد يبني عليه استنتاجات ما كانت ستؤدي إلى اعتبار العراق هذه القوة الغريبة أو الصندوق الأسود المخيف؟

- بالتأكيد. ويفترض بالعمل الاستخباري أن تسمح للعدو أن يطلع على بعض الأشياء. ولكن أن يبقى الموضوع تحت سيطرتك. أنا متيقن وبحكم تجربتي، لو كانت لدى الأمريكيين مصادر داخل العراق تقول لهم الحقيقة ما كانوا وصلوا إلى هذا الطريق. بالرغم أنه كانت هناك مشاكل بين السي آي أي وبين مستشارة الأمن القومي. كانت تريد أن تفرض رأيها بالقوة وتغير في بعض تقارير السي آي أي. ولكن السي آي أي لو كان لديها مصدر موثوق داخل العراق، كان أعطاهم الحقيقة. ولهذا أقول أنه يفترض في إطار العمل الاستخباري أن تسمح للعدو أن يوجد مصادر في الداخل، ولكن أنت تكون المسيطر عليها. وأنت تؤمن المعلومة التي تريد تمريرها. وحتى إذا هو اطلع على حقيقة معينة، كمثل حالتنا ..أي الاطلاع على معلومات يقود إلى حرب، فالأفضل أن نتركه يطلع ..أن الحقيقة تتوافق مع ما نقوله. وقد كنا نقول دائماً أننا لا نملك أسلحة دمار شامل. صحيح أن الثقة فقدت مع لجان التفتيش بعد أن وجدوا الوثائق في المدجن في منطقة صغيرة أو سلمان.. لكن لم يبق لدينا شيء بعدها. ولكنهم لم يثقوا بهذا الكلام. ونحن قبل الحرب في اتصالاتنا السرية معهم كنا نأكد لهم أنه " أنتم الآن أقنعتم العالم في المجيء إلى العراق في إطار قضيتين أساسيتين: أسلحة الدمار الشامل والعلاقة مع "القاعدة". وأنتم إذا أتيتم واحتللتم العراق ولم تلقوا أسلحة دمار شامل، سينكشف أمركم أمام العالم كله.انتم لم تجدوا أسلحة دمار شامل ولا أدلة ارتباط مع "القاعدة". ماذا ستقولون للعالم؟ بماذا ستواجهون العالم؟" وإذا تلاحظ الآن، أن الحديث كله بدأ يسير في هذا الاتجاه. وهم بعد فترة بدأوا يغيرون الرواية وقالوا أن هدفهم تصدير الديمقراطية للعراق. وعندما صارت الفوضى في العراق، قالوا أن هذه هي الفوضى الخلاقة. وعمت الفوضى في المنطقة العربية كلها وفي العالم كله. وكانوا في استراتيجيتهم يعتقدون أنهم في حال اسقاطهم لصدام حسين سوف تسيطر أمريكا على العالم كله. والعالم كله سوف يهدأ بمجرد سقوط صدام حسين. ولكن الذي حصل هو العكس تماماً. عمت الفوضى في كل العالم.

س: أفهم من ذلك أنه كان لديكم تعاون، أو اتصالات مع الجانب الأمريكي على مستوى سياسي أو استخباري؟

-لا، كانت لدينا اتصالات مع أطراف في الإدارة الأمريكية من خلال وسطاء أميريكيين من أصل لبناني وكنا نتبادل الرسائل. أي شكل من أشكال الاتصال سواء سياسية أو استخبارية مع أمريكا لم تحصل. كنا نسعى لأن نعقد لقاء مع السي آي أي أو مع أطراف في الإدارة الأمريكية حتى نوضح لهم الحالة وجهاً لوجه. لكن هذه الجهود باءت بالفشل.

س: هل كنتم على استعداد للتعاون مع الأسرة الدولية فلنقل، مع أوروبا، مع الولايات المتحدة في مكافحة الارهاب؟

- نعم. ومررنا لهم اكثر من رسالة في هذا الصدد. وفجر مركز التجارة العالمي في عام 92. في عام 92 تعرض مركز التجاري العالمي إلى تفجير بشاحنة. والذي خطط لهذا الموضوع نفذه شخص عراقي. أمريكي من أصل عراقي من سامراء. وهذا الشخص هرب بعد العملية من هناك ودخل العراق. والمخابرات الامريكية تابعت أمره وقالت أنه دخل العراق. ونحن كجهاز مخابرات بدأنا بالبحث عنه. واستمر البحث ستة أشهر، ووجدناه يعمل في محل لتصليح السيارات. وقبضت عليه المخابرات العراقية وتركته في السجن. وأوصلنا لهم رسالة بأن لدينا معلومات مهمة بخصوص مفجر مركز التجارة العالمي. وهو أمريكي الجنسية ومن أصل عراقي. ونحن مستعدون للتعاون معكم كي نعطيكم هذه المعلومات. وجاءنا الرد أنه "إن كانت لديكم معلومات أرسلوها لنا مكتوبة!" ورفضوا أن نلتقي بهم. ومع ذلك هم عرضوا مكافأة 25 مليون دولار لمن يعطيهم معلومات حول هذا الشخص أو يدلهم على مكانه. وهم يدركون أنه لدينا ونحن قمنا بتبليغهم. وبعد أحداث 11 سبتمبر، تدخلوا عبر المخابرات المصرية ليكونوا وساطة بيننا وبين الامريكيين لتسليم هذا الشخص. وجرت اجتماعات بين الاخوان المصريين والجهات المختصة في امريكا. ونحن كنّا مستعدين لتسليمه. هذا الشخص أمريكي ولا يحق لنا الاحتفاظ به، ولكن نحن نريد أن نضمن أنه عند تسليم هذا الشخص للإدارة الامريكية، أن يتم ذلك في إطار رسمي. أراد الامريكيون أن يأتوا لاستلامه بطيارة خاصة، ولكن الرئيس لم يوافق. وقال "لا يمكن أن تأتي طائرة أمريكية وتأخذ شخصاً من عندنا. نحن لدينا طائرات." يمكن ارساله بطائرة عراقية. ولم يوافق الامريكيون على ذلك. فتصور عنادهم والتصعيد في هذا الموضوع. أي انهم لا يريدون أن يثبت العراق أنه ضد الارهاب ومستعد للتعاون في هذا المجال. وبعدها أقنع جهاز المخابرات الرئيس بنقله عن طريق طائرة مصرية. فوافق الرئيس على ذلك. عملية استلام وتسليم لشخص بهذا المستوى من الأهمية، يجب أن تتم بمحضر توقيع بين الطرف المستلم والطرف الذي قام بالتسليم والوسيط. وقمنا بإعداد محضر وهو محضر بسيط جداً. فرفض الامريكيون التوقيع على محضر استلام هذا الشخص.

س: فقط من أجل أن يقولوا أن العراق غير متعاون في مكافحة الارهاب؟

- نعم

س: ومصير هذا الرجل؟

بقي في السجن إلى أن حدث الاحتلال وفتحت السجون. وخرج ولا أحد يعرف أين هو لحد الآن. رفضوا هذه الصفقة فقط كي لا يوقعوا على محضر الاستلام. ما الضمان بالنسبة لنا؟ هذا الشخص كان معتقلاً لدينا منذ عام 92 والمحادثات هذه كانت عام 2002، أي بقى موقوفاً لدينا عشر سنوات.

س: هل تذكرون اسمه؟

- كنا نطلق عليه اسما حركيا ولكني كنت اذكر اسمه. كنا نطلق عليه اسم "عبود"، اي اسم داخل الجهاز، نطلق عليه "عبود". حتى في ملفه اسمه "عبود". أما اسمه فكان "سعيد" على ما أذكر. من سامراء.

س: هل هو من التيارات الاسلامية الاصولية؟ "القاعدة"..

- لم يكن لديه خط مع القاعدة في وقتها. ولكنه انتقاماً لحرب الخليج الأولى قام بهذه العملية. واشترك معه شخص مصري وآخر من باكستان.

س: تحدثتم عن الطوق الأمني للعراق. بهذا الصدد أتذكر أننا أجرينا حديثاً مع المرحوم "شبرشين" مدير المخابرات السوفيتية والذي توفي قبل عام. وقال لنا بمناسبة غزو الكويت، أن الولايات المتحدة عجزت عن أن تصل بعملائها وتحصل على معلومات من الداخل العراقي. فقامت بمحاولة تجنيد أشخاص يعملون في المخابرات السوفيتية كانوا مسؤولين عن العراق. وقد اكتشف جهاز مكافحة التجسس السوفيتي هذه المحاولة وأجهضها. المدرسة السوفيتية في الاستخبارات، كم استفاد منها جهاز الأمن العراقي؟

- نحن ثقافتنا الاستخبارية هي ثقافة روسية. طريقة عملنا منذ بداية نهضة الجهاز عام 1975 عندما بدأ يأخذ قوة في عهد المرحوم برزان التكريتي. وطور نفسه أكثر من عام 84 إلى 1989 في عهد المرحوم فاضل البراك. عندما أقر نظام معالجة المعلومات وهيكلية الجهاز، ونظام إدارة المؤتمنين أو نظام إدارة المصادر. ولكن بالأساس ثقافتنا كلها روسية وأساتذتنا في العمل الاستخباري تدربوا في روسيا. أي الكادر المتقدم الأولي. وبعدها أسسنا مدرسة داخل المخابرات وطعمناها بخبرات ألمانية وخبرات يونانية. ولكن النمط الروسي متدرج وذو نفس طويل حتى يصل إلى الهدف. أي يمر بمراحل متعددة. في فترة التسعينات أو نهاية التسعينات نحن غيرنا في هذه الاستراتيجية لعمل جهاز المخابرات، وبدأنا نختصر مراحل التجنيد. لأنه كان لدينا ضغط كبير ويتطلب توفر جهد استخباري كبير، والعدوان علينا كبير. ولم نملك الوقت لكي نجند شخصا لمدة سنة، فكنا نحسم الموضوع خلال شهر ولكنا كنا دائماً محتفظين بخط رجعة عندما نلحظ برد فعل من الشخص سلبي تجاهنا. اي نحفظ وضعنا.

س: وجندتم الكثيرين ويقال أنكم حتى وصلتم إلى وزارة الدفاع الامريكية!

- أنا اعتقد أننا حققنا اختراقا في وزارة الدفاع الامريكية حتى الروس لم يتمكنوا من تحقيقه. نحن جندنا ضابطاً برتبة عالية في الهيئة الأمنية المشتركة في قلب وزارة الدفاع الامريكية. وطبعاً أعطانا الكثير من المعلومات. وأنا اطلعت عليها مرتين. ولكن المعلومات كان قسم منها مسرباً وقسم منها حقيقي. فهو أعطانا حتى خطط الحرب، أي الإطار العام لخطة الحرب. وكم عدد القوات الموجودة في تركيا. والقوات والجهد الاستخباري الموجود في دولة مجاورة للعراق، في السعودية، في منطقة الخليج تحديداً. وهو الذي أكد لنا أنه لن يحصل أي هجوم من تركيا. وعلى ضوء هذه المعلومات سحبنا فرقة عدنان من محور الموصل ونقلناها الى مناطق من بغداد، عززنا بها قوات حماية بغداد. هم كاستخبارات امريكية كانوا يعتقدون أننا نملك مصدرا في وزارة الدفاع ووضعوا أمامه جملة من المعلومات، ولكننا كنا نعلم المعلومات المعبرة من الحقيقية.

س: تفلتر المعلومات يعني؟

- نعم. المعلومات المعبرة كانت واضحة والمعلومات الحقيقية أيضاً نعرفها.

س: أي كانت لديكم قناعة ومعلومات أن الهجوم سيحصل. وهذا الرأي وصل إلى القيادة العراقية وتحديداً الرئيس الراحل صدام حسين؟

- نحن مهمتنا جمع المعلومات عن حجم التواجد في المنطقة، عن مخططاتهم، عن الأهداف التي يبحثون عنها داخل العراق، عن الأوساط التي يعملون بها داخل العراق، مراكز تواجدهم كـ سي آي أي. معظمها كانت شمال العراق موجودة. وكانت لدينا معلومة أن الهجوم سيبدأ عندما يصل حجم القوات الامريكية في منطقة الخليج إلى 75 ألف جندي. ونحن كتبنا كتاباً للقيادة قبل الهجوم بشهر تقريباً أو أقل من شهر..أرسل الكتاب يوم 24 شباط للرئاسة، قلنا فيه أنه بلغ حجم القوات الامريكية الموجودة في منطقة الخليج إلى 73 ألف جندي وهو اقترب من العدد المطلوب والمخطط له للبدء بشن الهجوم على العراق. مع أنهم في بعض معلوماتهم كانوا يريدون توصيل لنا معلومة أنهم سيبدأون الهجوم في الشهر الرابع أو الخامس. لكن نحن كان لدينا قناعة أن الهجوم أصبح وشيكاً.

س: هل يمكن أن نستنتج من ذلك أنه كان بإمكان القيادة العراقية أن تتجنب الحرب؟ أم أن الحرب كان مخططاً لها والقرار الأمريكي باجتياح العراق واحتلاله لا يتأثر بأن العراق يمتلك سلاح دمار شامل، وأن العراق لا علاقة له ب"القاعدة"؟! قناعتكم كرجل مخابرات؟

- نحن كانت لدينا قناعة أن الحرب قادمة. والآلة الاعلامية الامريكية سخرت الرأي العام الدولي والداخلي بهذه القوة. عملية التراجع عن الحرب أصبحت صعبة من طرفهم. نحن بعد 11 سبتمبر 2001، أصبحت عملية معالجة الموضوع ودرء الحرب من طرفنا نحن، أصبحت عملية صعبة. يعني فات الأوان. قبل هذه الفترة كان لدينا مجال أنه لو قدمنا تنازلات كبيرة، يمكن أن نصحح الوضع مع أمريكا. ولكن بعد 11 سبتمبر ومجيء التيار المتشدد على رأس القيادة الأمريكية وخاصة في وزارة الدفاع، أصبح الموضوع صعبا جداً. لأن اللوبي اليهودي بأمريكا اشتغل بقوة على هذا الموضوع وكان مصمماً أن يسقط النظام في العراق. وإن كنت تلاحظ الهيئة السياسية.. طبعاً الذي قاد الحرب في أمريكا هي وزارة الدفاع وتحديداً الهيئة السياسية في وزارة الدفاع. والهيئة السياسية في وزارة الدفاع كانوا خمستهم يهوداً. جميعهم يهود. هم الذين قادوا الحرب. والآن تراهم اختفوا وخرجوا خارج التاريخ جميعهم.

س: استاذ سالم هذا ما أحب أن نسمعه بعد فاصل قصير. لماذا اختفوا؟ وقرار الحرب الذي اتخذ من قبل ما يعرف بجماعة اليمين المحافظ أو المحافظون الجدد؟

- لقد ذكرت ان الذي قاد الحرب هم ريتشارد بيرل ،و باول وردس ورامسفيلد وعلى رأسهم ديك تشيني والرئيس. انا اتحدث عن الهيئة السياسية في وزارة الدفاع التي اخذت دور المخابرات ودور الخارجية واخذت دور الامن القومي في امريكا. عادة على مدى التاريخ في امريكا القرارات ما تصنع من طرف، تصنعها السي اي اي، الاعلام، مراكز البحوث، الامن القومي و مستشارو البيت الابيض ..طبعا مع وزارة الدفاع. الا في هذه المرحلة، القرار الاستراتيجي الامريكي صنعته مؤسسة واحدة - هي وزارة الدفاع الامريكية فقط. وزارة الخارجية كانت معارضة، السي اي اي - معارضة، والسي اي اي كانت تقول لوزارة الدفاع: ان بإمكانكم ان تسقطوا النظام العراقي بسهولة وبسرعة. لكن ماهو البدايل بعد سقوط نظام صدام حسين؟ وجوابهم كان دعونا نسقط النظام وبعدين كل شئ راح يستقر بمكانه. هذه هي كانت العقلية التي قادت الحرب، لم تقودها برؤية استراتيجية بعيدة المدى. وحصلت الفوضى. طبعا اي منطق في العالم من يدرس وضع العراق ويحلل النظام الموجود في العراق سوف يجد انها دولة علمانية، ضد التطرف الديني. الى عام 2003 لم تجد مواطنا عراقيا ينتمي الى "القاعدة". جاءت معلومة واحدة ان هناك شخص يدعى علي الجبوري يشتغل في "القاعدة" بالمحاسبة، فقط هذه المعلومة. بعد ذلك بحثنا وهناك الالاف من علي الجبوري في العراق ولم نستطيع ان نتوصل الى معلومة من هو علي الجبوري. ولكن شاهد ماذا حصل بالعراق بعد عام 2003؟ ولقد قلنا لهم انكم تعملون في سبيل تجفيف مصادر الارهاب واذا سقط النظام بالعراق سوف يتحول العراق الى "قاعدة" وسوف تنتشر التيارات الدينية المتطرفة والنفوذ الايراني سوف يصل الى منطقة الخليج. نحن نعمل حاجزا امام النفوذ الايراني في المنطقة. طبعا هذه الرسائل كلها وصلت لهم والى اعلى المستويات.

س: هل كانت لدى القيادة العراقية قناعة بأن الهجوم لم يحصل لهذه الاعتبارات، باعتبار ان الامريكيين براغماتيون وليس من مصلحتهم ان تنشب هذه الفوضى في المنطقة كما ان حلفائهم (في الخليج) يتعرضون الى مخاطر؟

- التحليل المنطقي لهذا الموضوع، ان قيادتنا كانت تعرف ان الادارة الامريكية على علم بأنه اذا سقط النظام في العراق، العراق سيتفكك، سيخضع لتيارات دينية متطرفة وايران ستصل الى منطقة الخليج. فمن غير المعقول ان ترتكب الادارة الامريكية  حماقة بهذا القدر - ان تسقط النظام في العراق وتسمح "للقاعدة" وايران بان تنتشر بقوة في هذه المنطقة. ولهذا قيادتنا كانت متوقعة ان تصير الحرب الى نقطة معينة وبعدها يأتون بشروط معينة علينا ونحن نوافق عليها. اما ان تصل الامور الى حد ان يسقطوا الدولة كاملا بهذه الطريقة الوحشية البشعة ويخربوا البلد. هم يخربون على انفسهم! خسروا الجنود، خسروا الامول. الازمة الاقتصادية التي مروا بها سببها الحروب. لا احد كان يتصور ان الامريكيين حمقى (الذين قادوا الحرب بهذه الطريقة).

س: مصادر المعلومات التي كنتم تحرصون عليها ماهو مصيرها في الولايات المتحدة؟

- كان عندنا  ثلاثة اشكال من المصادر. اثنان منها انا اصنفها بالعسكرية - كان لدينا في قاعدة في انجيرليك التركية مصدر مهم، في الخليج كان عندنا مصدر وفي قلب وزارة الدفاع الامريكية - هذه المصادر العسكرية. وكانت لدينا مصادر قريبة في الاوساط العسكرية. وايضا كانت عندنا مصادر في الكونجرس (بصفة مستشارين)، وفي مجلس الامن القومي الامريكي. الصنف الاخر، نحن نسميه "بالنشاط المعادي" M 40 - هولاء هم من العراقيين الموجودين في الخارج الذين يعملون على تقويض واسقاط النظام في العراق، اي المعارضة.. وبضمنهم هولاء المقيمين في امريكا وارتباطهم كان بشعبة خاصة. نحن المسؤولين عن امريكا، كل شئ يتعلق بامريكا: البيت الابيض، وزارة الخارجية، وزارة الدفاع وهيئة الامم المتحدة. لكي يقوم الشخص في امريكا بتقديم معلومات كان يتطلب فيه توفر شروط: اولا هذا الشخص الامريكي لازم يعرف انه يتعامل مع المخابرات العراقية، ثانيا - المعلومات التي يقدمها لازم تؤثر على الامن القومي الامريكي، ثالثا - استلام مبلغ من المال مقابل هذا العمل. الإدعاء العام لازم يوفر الملف المؤثق للإدانة. اي ان الملف لازم يكون موجود بالاف بي اي او يكون موجودا عندنا في العراق. بالنسبة لنا ملفات امريكا كلها أحرقت. ولم يستطيعوا ان يقدموا ادلة لكي يقوموا بتقديمهم للمحاكم الامريكية. اما مصادرنا في المؤسسة الامريكية فانهم اختفوا - لانعرف عنهم اي شئ.

س: ربما تستطيعون الاجابة عن هذا السؤال او ترفضون الاجابة عنه: بعد الغزو ببضعة ايام (ربما اقل من اسبوعين)، جرى اعتقالكم من قبل القوات الامريكية. هل جرت محاولة لإنتزاع معلومات، المصادر التي كان الامريكيون يريدون ان يعرفونها في مؤسساتهم؟

- يوم 9 ابريل/نيسان سقط بغداد، 12 ابريل/نيسان انا حرقت الارشيف كاملا - ارشيف امريكا وارشيف اوروبا الغربية كلها ودول اسيا.

س: كم من الوقت استغرق حرقها؟

- 4 ايام. انا تخذت القرار وكلفت جماعة للقيام بعملية الحرق... هذه اطنان من الملفات... انا كنت اراقب الوضع والملفات كلها احترقت. في تاريخ 22 ابريل/نيسان جرى اعتقالي. الهدف كان انتزاع المعلومات. (رئيس السي اي اي في كتابه قال انهم حددوا المكان وهناك شخصية مهمة في جهاز المخابرات وصدرت اوامر للطائرات الامريكية بتوجيه ضربة ..ونحن اصررنا على إلغاء امر الضرب.. وهذا لازم نمسكه حي، لان هذا مهم بالنسبة لنا... )اتوا الى بيتي بطريقة وحشية الساعة 5 عصرا.

س: حضرتك ما فكرت ان تهرب؟

- لا. انا كنت على قناعة - اينما ذهبت سوف يتم القبض علي. انا المسؤول عن الملف الامريكي وعندي كل المعلومات. انا كنت مطمئنا. ان الارشيف كله احترق ولاتوجد مشكلة بالكلام. بدأت التحقيقات، تقريبا 37 فريق تحقيق حققوا معي. الاف بي اي حققوا معي بخصوص المصادر التابعة لنا في امريكا، السي اي اي حققوا معي بخصوص الاشخاص الذين كانوا يعملوا لصالح الطرفين (اي لصالح الامريكيين والعراق) وهل كان بإستطاعتنا مراقبة جهاز "الثرية". التحقيق استمر 9 اشهر معي شخصيا. قضية وزارة الدفاع، اتوا بفريق من وزارة الدفاع (البنتاغون) وبدأو بالتحقيق معي خلال اسبوع كامل، فقط بقضية وزارة الدفاع... يوميا 8 ساعات.

س: ولم يتوصلوا الى شئ؟

ج: بلى، تحدثنا عن المصدر الذي كان عندنا في وزارة الدفاع الامريكية - الضابط.

س: حافظت على امانة المصادر؟

- انا لا استطيع ان انكر كل شئ. ولكن قدر الامكان بأقل الخسائر.. عندهم ايضا كانت معلومات عن الاتصالات وعن مراقبين من الناس والخ.. النتيجة انه ماتحدث احد من مصادرنا.

س: من المواضيع الشائكة: يقال انكم حاولتم رشوة السيد البرادعي؟

- هذا عمل المخابرات و90 % من عمل المخابرات خارج اطار القانون! وهذا في كل مخابرات العالم.. واذا تطبق القانون فانت لاتستطيع ان تعمل في المخابرات.. ونحن كنا نشجع البرادعي لكي يقول الحقيقة. لانه اذا قال الحقيقة سيطرده الامريكيون. اذا قام الامريكيون بطرده فنحن مستعدون ان نوقف معه وندعمه والمطلوب منه فقط قول الحقيقة. لاتخاف على المنصب ولاتخاف على الجانب المالي. مع ذلك في اجتماع بتاريخ 19 يناير تردد في قول الحقيقة. ولكنه لم يدعم في موضوع التشدد او انتقاد العراق بقوة في ذلك الاجتماع.

وعندنا لم تكن علاقة مباشرة به، كان هناك وسطاء - اثنان مصريان، واحد شخصية مصرية كبيرة توفى قبل فترة والاخر موجود. والاموال لازم كان يستلمها سفير مصر في فيينا او جنيف، لا اتذكر بالضبط... الاموال كانت جاهزة 2 مليون دولار.  وعندي كانت فيزا جاهزة (شينجين).. والشخص الذي كان سيوصلها موجود.. وعندي كانت رسالة أود ان اوصلها للسيد البرادعي ، يعني لم نكن نريد ان نوقع على ورقة وصل واستلام.. وكان غير مسموح لي ان اقول ان هذا المال كان للسيد البرادعي.. وكانوا يريدون ان نلتقي بحديقة السفارة مع السفير المصري واسلمهم الحقيبة.. دون الحديث عن اي شئ.. في نهاية المطاف إلغي هذا الموضوع، لانه نحن كنا نريد ان نسلمها قبل تاريخ 19، قبل الاجتماع، لان الاجتماع كان حاسما.. وبعد الاجتماع لم تكن هناك جدوى لتسليم المال.

س: يعني لم تكن لديكم قناعة تامة ان السيد البرادعي كان على علم بهذه الصفقة؟

ج: لا، لا اعرف الحقيقة.

س: اين اختفى هذا الجهاز الكبير، المدرب، عميق التجربة وكأنه تلاشى فجأة بعد الاحتلال؟

- بعد الاحتلال شُكلت نواة جهاز المخابرات الجديد من الضباط القدامى، يعني 600 ضابط من جهاز المخابرات القدامى - هم أسسوا نواة جهاز المخابرات الجديد.. مدير شعبة وما فوق لم يرجعوا احدا الى المخابرات (ممكن واحد او اثنين رجعوا)، أرجعوا فقط الضباط على مستوى رئيس قسم. هكذا شُكل جهاز المخابرات الجديد.. وبعدين الدولة انقلبت عليهم وطردتهم ونشرت اسماءهم على شاشة التلفاز، وطاردت اهلهم من مناطقهم (من المناطق السنية) لانهم رجعوا الى المخابرات الجديدة. في النهاية كلهم سافروا الى خارج البلد.. بالاساس، ضباط المخابرات عموما تعرضوا لمحاولات اغتيال واعتقالات وغالبيتهم سافروا خارج العراق (دبي، الاردن، سورية، مصر، لبنان، تركيا والخ).

س: واخيرا، هل وقعت خيانات في صفوف القيادة العسكرية العراقية؟

- انا وعلى مستوى علمي ونا متأكد تماما لم تحصل اي خيانة على الاطلاق في القيادة العسكرية. بقيت القيادات متماسكة ولكن المتغيرات التي حصلت في الخطة العسكرية في اللحظات الاخيرة دمرت حوالي 3 فرق عسكرية من الحرس الجمهوري على طريق بابل وعلى طريق كربلاء عندما راحت تقطع خط القوات الامريكية التي امتدت على طول غرب نهر الفرات. طبعا عندنا لم يكن قطاع جوي نهائيا.

كان عندهم خرق فني في مجال الاتصالات وكانوا مركزين عليها.. وكانوا مجندين شخصا في جهاز الامن الخاص، يشتغل على الاتصالات وكان يعرف عقد الاتصالات للمقرات البديلة للسيد الرئيس في وقته.

س: يعني شخص عراقي؟

- نعم، نعم. شخص عراقي. كانوا مجندين اثنين. ولما ضربوا الدورة، اختفى هذا الشخص من المشهد نهائيا.

على كل حال جرى احتلال العراق وبدأت المقاومة بعد ذلك ونأمل ان يعود العراق مستقرا.

شكرا لكم استاذ سالم ولكم اعزاءنا المشاهدين اطيب التحيات وانا سلام مسافر.. أحييكم وأتمنى لكم اوقاتا هانئة.

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا