"ظل غورباتشوف" يجيب عن الأسئلة المحرجة (الحلقة الثالثة)

أخبار روسيا

تحميل الفيديو
انسخ الرابطhttps://r.rtarabic.com/rb9a

بافيل بالاجتشينكو – المترجم الشخصي للرئيس السوفيتي ميخائيل غورباتشوف منذ انتخابه أمينا عاما للحزب الشيوعي السوفيتي عام 1985 وهو من القلائل الذين حافظوا على ولائهم ووفائهم لعراب البيرسترويكا. اليوم يترأس بالاجتشينكو مكتب العلاقات الخارجية بمؤسسة "صندوق غورباتشوف" ويقوم بدور المتحدث الرسمي باسمه. في هذه الحلقة يجيب السيد بالاجتشينكو عن الأسئلة المحرجة التي عرضناها على غورباتشوف لكنه رفض الحديث مع قناة RT-ARABIC

خالد 1 

سيد بالاشينكو مرحبا بك من جديد

بالاجتشينكو 1 

طاب يومكم.

خ 2 

في كتابكم "مهنتي والزمن. مذكرات مترجم دبلوماسي" مقطعٌ عن عملية تحرير الكويت .. تذكر فيه أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بوش الأب لم يُقدم حينها على التقدم باتجاه بغداد واحتلالها وفاء لوعده وحرصا منه على عدم الانتقاص- كما يقال- من هيبة غورباتشوف السياسية في العالم.. هل حقا تعتقد ذلك؟

ب 2 

هذا ما ورد في كتابات الآخرين. أعتقد أن في هذا القول نسبةً كبيرة من الحقيقة. وعن ذلك كتب أيضا سكوكروفت. كما أنني ناقشت معه هذا الأمر بنفسي..

خ 3 

وأنت تستند في كتابك إلى حديثك معه تحديدا...

ب 3 

... قال لي: إن ذلك كان أحد الأسباب لعدم احتلالنا بغداد.

خ 4 

وهل تصدق ذلك؟ أي أن يتخلى الأمريكيون عن مخطط ما يخدم مصالحهم إرضاء  لغورباتشوف؟...

ب 4 

يبدو لي أنك لم تستخدم العبارة المناسبة.. بل أضفيت على القصة معنى آخر...

خ 5

كلا كلا، حسنا.... وما العبارة المناسبة برأيك؟

ب 5 

لم يتحدث أحد عن إرضاء غورباتشوف. ولكنني أعتقد أن أحد العوامل...

خ 6 

كان وعدا؟

ب 6 

كان ذلك أحد العوامل.. على أية حال هذه الواقعة التي نحن بصددها لم تدون في الوثائق، لم توثق.. ولكن الأمريكيين عندما رفضوا احتلال بغداد كانوا يقصدون ما أشرتَ إليه.. أما أنهم لم يتكلموا عن ذلك علنا فهذا أمر آخر.. ونائب الرئيس ديك تشيني في معرض تعليله عدم الإقدام على احتلال بغداد، تساءل قائلا: "وماذا كنا سنفعل هناك؟ كنا سنواجه مجموعة كبيرة من المشاكل"...

خ 7 

كلام منطقي.

ب 7 

وهذا ما تبين في ما بعد!

خ 8 

نعم.. هذا ما تبين في ما بعد!

ب 8 

 هذا يعني...

خ 9 

وعلى الأرجح. هذا هو السبب الرئيس.

ب 9 

... كانت عدة عوامل 

خ 10 

وعن العلاقة مع الأمريكيين يرد في كتابك أن إدوارد شيفاردنادزه قال لك ما يلي: "الآن موقفهم تجاهنا جيد. ولا مسوغ لما قاله رئيس "لجنة أمن الدولة" (كي جي بي) فلاديمير كريوتشكوف عن أن عملا تخريبيا يشن ضدنا. فهم لا يريدون لنا شرا. ولقد اقتنعت بذلك مرة أخرى عند قراءتي الرسائل والبرقيات التي تصلني". //نهاية الاقتباس//.

 طبعا، أود الإشارة إلى أن كل ما كتب عنه شيفاردنادزه بات الآن من التاريخ، ومثبتا في المذكرات.. أنت أوردت أيضا مقتطفات من ذكريات شخصيات سياسية أمريكية مختلفة. سأتوقف عند واحدة من تلك الذكريات تتعلق بالأحداث قبيل لقاء القمة في مالطا في ديسمبر عام 1989.. كان "موظف مجلس الأمن القومي روبرت بلاكويل يقول في مجالسه المغلقة عن غورباتشوف والوفد السوفيتي مايلي: "مهما حضّروا في جعبتهم، فنحن مستعدون له. وسيندهشون جدا". كبير موظفي البيت الأبيض جون سنونو كان أكثر حدة في حديثه عن ذلك إذ قال: "سنضرب غورباتشوف بقوة بحيث يفقد توازنه ويتشقلب شر شقبلة". رد الرئيس الأمريكي بوش الأب قائلا: "صحيح. نحن سنهاجمهم كما تهاجم "عصابة سطو"... 

هذه على ما يبدو ترجمة حرفية لتعابير أمريكية معروفة. ألا يبدو لك أن هناك شيء من التناقض؟ شيفاردنادزه يقول إن موقف الأمريكيين إزاء الاتحاد السوفيتي جيد، في حين يصف الأمريكيون في مذكراتهم كل شيء على نحو مختلف. كان المسؤولون في الاتحاد السوفيتي يرون أن الأمريكيين "لا يريدون لهم شرا"، بينما الأمريكيون يقولون "سنهاجمهم كعصابة سطو" أثناء المفاوضات.

ب 10 

لم أفهم... هل تقتبس من مذكرات بلاكويل، أم من مدونات ما أخرى؟  وفضلا عن ذلك أنت تدرك أن بالإمكان انتزاع أي كلام من سياقه. *أنا أتذكر مفاوضات مالطا، ومواقف الأمريكيين في تلك المفاوضات كان...

خ 11 

متصلبا...

ب 11 

كلا. بل تحديدا في مالطا، وبعد مالطا، صاروا في العديد من المسائل يتخذون فعلا خطوات جوابية أكثر وأكثر انفتاح.. .

خ 12 

 مثلا؟ 

ب 12 

هذا ما يسمى عادة - "تنازلات".

خ 13 

على سبيل المثال... أي تنازلات؟

ب 13 

مثلا، تنازلات في مجال الأسلحة الاستراتيجية. تنازل الأمريكيون عن مطلبهم بحظر الصواريخ المتحركة الأرضية...

خ 14 

ولكنهم لم يتخلوا عن مبادرة الدفاع الاستراتيجي...

ب 14 

ولكن لنتذكر أن مصطلح "مبادرة الدفاع الاستراتيجي" ورد في خطاب لرونالد ريغان عندما أعلن أن الولايات المتحدة سيكون لها برنامجها طويل الأمد للتصاميم والأبحاث العلمية... ولم يكن ذلك سوى جزء من منظومة الدفاع الصاروخي في أمريكا. غير أن الوتائر الفعلية لتطوير هذه المنظومة تباطأت بحدة عمليا في عهد الرئيس بوش الأب. ولكن الأمريكيين، للأسف، انسحبوا في عهد بوش الإبن من المعاهدة السوفيتية- الأمريكية للحد من أنظمة الدفاع الصاروخي والبروتوكولات الملحقة بها. وبعد ذلك صاروا يقيمون في آلاسكا المزيد من القواعد الصاروخية الموضعية.. وكانوا يخططون أيضا لإقامة قاعدة من هذا النوع في أوروبا الوسطى. هذا ما كان في حقيقة الأمر، ولكن بعد سنين عديدة من نهاية عهد غورباتشوف كرئيس للدولة. وفي ما يتعلق بالمواقف من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية- وإذا تكلمنا بصدق- نجد أن الأمريكيين اتخذوا خطوات جوابية باتجاه تقديم تنازلات وخاصة بشأن الصواريخ المتحركة  والصواريخ الأرضية ذات الأجزاء الانشطارية. قبل ذلك كان الأمريكيون يريدون أن يتخلى الاتحاد السوفيتي عن هذه الصواريخ. ثم في عهد بوش الأب صاروا أكثر واقعية وتنازلوا في تلك المسائل التي كانت بالغة الأهمية بالنسبة للاتحاد السوفيتي. وسأضرب لك مثلا آخر. حتى الآن لا تزال في خدمة روسيا تلك الصواريخ الأرضية الاستراتيجية المتحركة من طراز "توبول". والآن يجري اختبار صواريخ جديدة بأعداد غير كبيرة. ولحسن الحظ، إذ تقرر في عهد غورباتشوف أن لا لزوم لتلك الأعداد الفلكية من الصواريخ التي كانت عند الطرفين. ثم بدأ تقليصها فعلا. ولكن لدينا صواريخ متحركة.. وصواريخ أرضية أخرى برؤوس انشطارية. وهي تشكل الآن العمود الفقري لقوات الصواريخ الاستراتيحية عندنا. ولذلك، إذا حاكمنا الأمر بناء على مواقف الأمريكيين الملموسة في قمة مالطا وبعدها، نرى أن المدونات التي اقتبست منها كانت في معرض المناقشات على الأرجح. وأنا على أية حال كنت أشارك في الأحاديث حيث كانت تطرح مواقف مختلفة جدا. ولا أستطيع القول إنها كانت مواقف حادة، ولكنها تضمنت أحيانا تعابير غير مريحة.

خ 15 

أي أنها كانت مواقف عمل طبيعية؟ 

ب 15 

نعم..على الأرجح لحظات عمل. وتعبير «bag of tricks» على أية حال يمكن إرجاعه إلى لحظة عمل من هذا القبيل، ولو أنني لا أدري أية "جعبة حيل" كان الأمريكيون يعدوها لغورباتشوف؟

خ 16 

لعل المقصود هو الرد على مقترحات الجانب السوفيتي حول مسألة نزع السلاح.

ب 16 

كلا.. نحن لم نحضّر أية مفاجآت، فنص معاهدة الأسلحة الهجومية الاستراتيجية كان جاهزا بنسبة 90 بالمئة قبل ذاك الموعد. ولكن الأمريكيين كان لهم موقفان أو ثلاثة مواقف غير مقبولة البتة بالنسبة لنا.. وخاصة ما تعلق بالصواريخ الاستراتيجية الأرضية. أما في مسألة حظر "القدرة الحركية" وحظر "تعدد الشحن" فقد أقدم الأمريكيون على خطوات إيجابية تجاهنا.

. كل من ينتقد غورباتشوف يعتقد أننا تنازلنا، ولم نفعل شيئا سوى تقديم التنازلات على طاولة المفاوضات مع الأمريكيين. هذا ليس صحيحا، والحقيقة ليست كذلك. لقد أوردت لك أمثلة محددة على أن اتفاقات عهد غورباتشوف ضمنت أمن البلد لسنوات وسنوات مقبلة.

خ 17 

طيب. بصفتك أحد الذين حضروا كافة مفاوضات ميخائيل غورباتشوف الصعبة والأكثر أهمية، هل لك أن تبين لنا التناسب بين تنازلات الولايات المتحدة الأمريكية وتنازلات الاتحاد السوفيتي؟ أهو خمسون بالمئة مقابل خمسين بالمئة مثلا... أم ستون مقابل أربعين؟ ما رأيك؟

ب 17 

في ما يتعلق بالأسحة الهجومية الاستراتيجية.. أعتقد أن النسبة المئوية للتنازلات كانت قريبة من خمسين مقابل خمسين. أما بخصوص معاهدات الدفاع الصاروخي فأعتقد أن النسبة مختلفة لأن الجانب السوفيتي لم يصر على بعض البنود حفاظا على العلاقات الودية...

خ  18 

وفي أي مسألة كانت النسبة لصالح أمريكا...

ب 18 

بشأن الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى اضطررنا إلى التنازل وإتلاف عددٍ أكبر منها... لأنه كان لدينا منها عدد أكبر... بما في ذلك صواريخ قديمة من طراز س س -4 و س س- 5 كنا سنتلفها في كل الأحوال.

خ 19 

وبخصوص ألمانيا؟

ب 19 

بخصوص ألمانيا.. طبعا قدمنا تنازلا واحدا... ولكنه أكبر بكثير. هذا التنازل استدعته ظروف الواقع الفعلية... فألمانيا كانت ستتوحد في شتى الأحوال.

خ 20 

وكان ذلك بداية انهيار المنظومة الاشتراكية بالكامل. 

ب 20 

إذا أردت .. يمكن النظر إلى المسألة على هذا النحو...

خ 21 

لأنك تعرف التداعيات...

ب 21 

"انهيار المنظومة الاشتراكية".. مجرد عبارة. 

خ 22 

 .. وتعلم إن قيادة الأحزاب الشيوعية في أوروبا الشرقية كانت ترى أن  غورباتشوف خائن... 

ب 22 

 ليس جميع تلك الأحزاب....

خ 23 

ولكن في ألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا من المؤكد...

ب 23 

ومع ذلك ليس كل البلدان... الزعيم البولندي فويتسيخ ياروزيلسكي مثلا بعث برسالة تهنئة إلى غورباتشوف.. وكانت المراسلات بين الزعيمين على قدم وساق. أما القائد الروماني نيقولاي شاوشيسكو فكان والأكثر تأثرا بانهيار هذه المنظومة.. كان ذلك أشد وقعا عليه... 

خ 24 

وعلى إريك هونيكر، جزئيا. 

ب 24 

هونيكر.. طبعا. كان وقع ذلك شديدا عليه..

خ 25 

وهو تحديدا الذي وصف غورباتشوف بالخائن.

ب 25 

هونيكر تلقى ذلك بصعوبة، كان ذلك شديد الوطأة عليه. ولكن لنتذكر كيف كان إريك هونيكر ذاته يقوم بزيارات متكررة إلى ألمانيا الغربية أوائل ثمانينات القرن الماضي. نشاطه هذا لم يكن يعجب الزعماء السوفيت. وأنا أعتقد أنه كان بالإمكان منذ ذلك الحين أن نتوصل إلى استنتاجات ما.. غير أن الصحافة السوفيتية لم تنشر أية أخبار عن تلك الزيارات. أما إريك هونيكر فكان يخفي نواياه الحقيقية. لنقل إنه لم يكن واضحا في سلوكه. مع العلم، طبعا، أن الألمان الشرقين والغربيين كانوا يريدون الاتحاد. دائما كانوا يريدون ذلك. ربما في شكل كونفدرالية.. وربما في صيغة ما أخرى.. أما في ما يتعلق بانهيار المنظومة الاشتراكية فلك أن تحكم إن كان غورباتشوف مذنبا أم لا في تدني إنتاجية العمل في ألمانيا الشرقية حيث كانت أقل ثلاث مرات عن إنتاجية العمل في ألمانيا الغربية!

خ 25 

كلا..المذنب ليس غورباتشوف. وبالمناسبة، في الآونة الأخيرة قرأت مقالة تتضمن مواد رُفعت عنها السرية قبل فترة وجيزة تفيد أن مارغريت تاتشر طلبت من غورباتشوف عرقلة توحيد ألمانيا. هل سمعت بذلك؟

ب 26 

لدي وجهة نظر أخرى. لنتمعن في كل الوثائق التي باتت معروفة لنا.. وسنجد أن  وحدة ألمانيا لم تحظ بإعجاب تاتشر أبدا....

خ 27 

لأنها كانت تخشى ظهور منفس قوي..

ب 27 

... ولكن لم يكن بمقدورها عرقلة ذلك.. فهي لم تكن تتخذ قراراتها بصورة انفرادية. ولم يكن بإمكانها أن تعارض موقف الغرب الموحد حول هذه المسألة، وموقف وزارة  خارجيتها بالذات.

خ 28 

قرأت مقالة في مجلة "تايمز"-أن تاتشر بالذات طلبت ذلك...

ب 28 

لم تطلب شيئا من أحد...

خ 29 

... من القيادة السوفيتية.

ب 29 

لم تطلب أبدا. 

خ 30 

ربما لم تكن شاهدا على ذلك.. 

ب 30 

هذا غير وارد إطلاقا. آنذاك كنت قد...

خ 31 

ربما ورد هذا الطلب في المراسلات الاستخبارية؟

ب 31 

أنذاك لم يكن عملي مقتصرا على ترجمة ما يجري في المحادثات.. بل كنت أعمل أيضا في وزارة الخارجية، في إدارة الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، حيث اطلعت على وثائق عديدة حول مختلف المسائل. طبعا، الوثائق التي تتعلق بعملي مباشرة وليس جميع محاضر المحادثات. ولكنني كنت أقرأ برقيات السفراء. كان السفراء يبلغون القيادة أن الفرنسيين والبريطانيين قرروا عدم التدخل في مسألة الوحدة الألمانية. وللمزيد.. لا بأس أن تقرؤوا محادثة بين ميخائيل غورباتشوف وفرانسوا ميتران.. أعدت نشرها في كتابي. كانا الزعيمان يدركان أن من المتعذر عرقلة توحيد ألمانيا.

خ 32 

يعني.. لا الفرنسيون ولا البريطانيون أرادوا اتحاد ألمانيا...

ب 32 

بالتأكيد لم يريدوا ذلك..

خ 33 

... غير أنهم كانوا يدركون أن هذا أمر لا مفر منه...

ب 33 

بالتأكيد لم يكونوا يريدون اتحادا بتلك الوتيرة السريعة...

خ 34 

كانوا يخشون منافسا اقتصاديا جديدا...

ب 34 

أما تاتشر... فلست أدري...

خ 35 

 ... منافسا في شخص ألمانيا الموحدة...

ب 35 

... تاتشر كانت تؤمن دائما بقوة الاقتصاد البريطاني.

خ 36 

لماذا إذن لم تكن راغبة في أن تتوحد ألمانيا... ما رأيك؟

ب 36 

أعتقد أنها كانت تتذكر الغارات الألمانية على كوفنتري أثناء الحرب العالمية الثانية. كانت تاتشر آنذاك إمرأة إنكليزية عادية. أذكر في الكتاب أن برقية وردت أثناء إحدى المحادثات مع شيفاردنادزه تفيد أن المانيا الديمقراطية وافقت على فتح معابر حدودية إضافية مع ألمانيا الاتحادية، فكان رد فعل تاتشر شديدا جدا حتى انها ارتعشت عند سماعها الخبر. بالمناسبة لم يكن فتح تلك المعابر قرار غورباتشوف، بل قرار ألمانيا الديمقراطية نفسها. وكان واضحا أن تلك الواقعة لم تعجب تاتشر، فألمحت إلى أن هذه العلمية لو تم إبطاؤها لما كان ذلك بالأمر السيء. *ولكن بريطانيا لم تفعل شيئا لهذا الغرض.. فربما كانوا يريدون تنفيذه "بأيدي الآخرين" بيدي غورباتشوف!!! أي دفع بلدنا للإقدام على ذلك.. على عرقلة اتحاد الألمانيتين. 

خ 37 

نعم... لتحمل السوفيت المسؤولية.

ب 37 

ربما هذا ما كانوا يريدونه. ولكن غورباتشوف – ولحسن الحظ - لم يقدم على ذلك وإلا  لكان الاتحاد السوفيتي تحمل كل العواقب التاريخية لهذا الحدث.. ولكان الغرب ذكَّرنا بذلك في كل مناسبة. ولكنني أكرر وأقول: لم تكن ثمة أية طلبات مباشرة بهذا  الخصوص. ولو طُرح شيءٌ من ذلك لكان في شكل تلميحات أو مجرد إيحاءات متحفظة. لم يكن عندهم موقف كهذا أبدا.. لا عند  تاتشر ولا عند غيرها من الزعماء الغربيين.. بمعنى الوقوف ضد توحيد ألمانيا واقتراح التعاون مع الاتحاد السوفيتي لإبطاء وتيرة توحيدها. لم يتكلموا عن ذلك أبدا... أبدا.

خ 38 

طيب، عندي سؤال وأرجو أن تجيبني عليه بكل صدق وأمانة.. لا كمعاون لميخائيل غورباتشوف وشخص عمل معه 35 سنة، بل كمراقب حيادي لتلك الأحداث. وسؤالي يتعلق بما ورد في كتاب "عالم تحول " لمؤلفيَه برينت سكوكروفت وجورج بوش الأب.. فلنعد إلى الكتاب ونتوقف عند المقطع التالي: 

"لقد حدث ما لم أفترض أن يحدث في حياتي كلها.. فعند إنزال العلم السوفيتي نهائيا من سماء الكرملين غمرني شعور الافتخار بالدور الذي لعبناه في تحقيق ذلك".(يقصد  الكاتب كما يبدو دورهم في تفكيك الاتحاد السوفيتي)... ثم يضيف: "لقد عملنا بإصرار لدفع الاتحاد السوفيتي في ذاك الاتجاه.. ولكن غورباتشوف نفسه- على الأرجح- كان الشخصية المفصلية في تلك النهاية.. ومع كل تألق غورباتشوف كان عنده عيب واحد خطير.. فلم يكن قادرا على اتخاذ قرارات صارمة ومن ثم تجسيدها في الواقع. كان غورباتشوف يتمتع بإحساس مرهف بضرورة التغيير.. ولكن عندما كان ينبغي إعداد وترسيخ برامج صارمة للإصلاحات الاقتصادية كان- مثله مثل هاملت- يتهرب من القيام بمهامه". 

ما رأيك؟.. لو كان لغورباتشوف أقوى كشخصية. لو كان حازما قوي الإرادة (بالمناسبة.. كثيرون جدا لا يرون فيه هذه الصفة) فلربما كان مصير الاتحاد السوفيتي مختلفا؟ ما رأيك.. هل كانت تنقصه صرامة القائد.. كزعيم للاتحاد السوفيتي الذي كان آنذاك الدولة الثانية من حيث القوة على الأقل عسكريا.

ب 38 

لست أدري ما الذي كان ينقصه.. أكرر القول: عند تقويم غورباتشوف علينا أن ننطلق من أبعاد تلك الانعطافة التاريخية التي حدثت في البلد... ولا ينبغي أن ننسى أن "الاتحاد السوفيتي" كان صيغة لوجود الدولة الروسية... الدولة الآن توجد في صيغة أخرى.. في صيغة "روسيا الاتحادية"، وضمن حدود مختلفة. تلك الانعطافة كانت ضرورية لروسيا، للشعب الروسي.. وأعتقد أن من المحال نكران ذلك.. لم يكن بالإمكان إنجاز تلك الانعطافة وفق وصفات ما جاهزة.. أو خطط ما جاهزة.

خ 39 

تقصد التخلي عن السير في طريق التطور الشيوعي...

ب 39 

بل عن النظام الشمولي الذي لم يكن فيه....

خ 40 

... وعن التجربة الاقتصادية الشيوعية ضمنا.

ب 40 

... لم يكن فيه لا حرية الكلمة، ولا اقتصاد السوق، ولا التكامل الطبيعي مع الاقتصاد العالمي. كل ذلك لم يكن موجودا.. بل كان هناك نظامُ رقابة شاملة حيث كل شيء يخضع للرقابة بدءا من الدين وانتهاء بما يمكن أن ينشر وما لا ينشر في المجلات الأدبية. كل شيء كان تحت الرقابة. وإذا لم تحظ بالإعجاب مسرحيةٌ ما يصرف مخرجها من العمل أو يبعد خارج البلد. كان ينبغي التخلص من نظام الرقابة الشاملة. كان ذلك أمرا لا بد منه. وخلال بضع سنوات تسنى للبلد التحول إلى اتجاه آخر. لم يكلل كل شيء بالنجاح... فإبان التحولات الكبرى من المتعذر أن يكون النجاح حليفك في كل شيء. على أية حال، كان لا بد من ذاك التحول. أعتقد أن سكوكروفت ليس محقا عندما يقول إن غورباتشوف كان ينقصه الحزم في لحظات ما. قد أتفقُ معه في بعض الأمور ولكنني لست واثقا من أن لنا فهما واحدا بشأن تلك المواقف. 

خ 41 

وما هي المواقف التي أظهر فيها ضعفا؟

ب 41 

هناك من كتبوا عن ذلك... وغورباتشوف نفسه يعترف أن اللحظة الأكثر ملاءمة لإجراء إصلاح الإسعار كانت في عام 1987. ولكنه آنذاك اصطدم بمقاومة عنيدة لم يكن يتوقعها من البيروقراطيين السوفيت في القطاع الاقتصادي ومجلس الوزراء وفئة المثقفين. استغل المثقفون سياسة الشفافية الجديدة فراحوا ينتقدون أية مقترحات تطرح لتعديل الأسعار... فربما كان تعديل الأسعار إحدى تلك المواقف...

خ 42 

وهل هذا فقط؟

ب 42 

ثمة رأي مفاده أن الحديث آنذاك كان يدور حول زيادة الأسعار على بعض المواد مع التعويض على المواطنين كما يبدو. كان يجب السير في هذا الطريق آنذاك... في تلك اللحظة كان الجو مؤاتيا بهذا القدر أو ذاك. يقول غورباتشوف الآن إن إصلاح الحزب كان يجب أن يسبق ذلك. أنا لست واثقا من صواب هذا الرأي.. بل يبدو لي أن السماح بتشكيل تيارات عقائدية- سياسية متنوعة كان ينبغي أن يعتمد كبداية، قبل إصلاح الحزب الشيوعي لأن هذا الحزب كان يضم آنذاك أناسا من مختلف المشارب والألوان. ولكن ربما كان غورباتشوف يقصد بكلامه عن إصلاح الحزب ضرورةَ العمل قبل ذلك على إصلاح الاتحاد السوفيتي بحزم ودون تردد.

خ 43 

والمسألة القومية عقدت الأمور كافة.

ب 43 

حل المسألة القومية في وقت أبكر موضوعٌ يثير الشك لدي. ندرك الآن كما تعلمون أن هذه المسائل- عندنا وفي بعض الجمهوريات- على درجة من التعقيد فحتى الآن لم يتسن حلها. كما أنني لا أستطيع تصور إمكانية تفكيك كل العقد القومية آنذاك بضربة واحدة . وكذلك الأمر تماما  في ما يتعلق بتقرير مصير يلتسين. أنا لا أتفق مع من يرون أن يلتسين كان يجب تعيينه سفيرا في بورما عندما اشتد الخلاف بينه وبين قيادة الحزب... التفكير بذلك أمر والتنفيذ أمرٌ آخر.

خ 44 

كانت تلك لحظة النقمة عليه في أوساط الحزب الشيوعي.. وكان يمكن استغلالها...

ب 44 

 كان ذلك ممكنا. ولكنني في هذا الموضوع لست موافقا مع ميخائيل غورباتشوف. يبدو لي أن إرسال يلتسين سفيرا إلى بلد من البلدان النائية لم يكن من شأنه أن يحل مشكلات الحزب الداخلية. فأولا- كان يمكن أن يظهر قائدٌ آخر على غرار يلتسين، وثانيا- يلتسين نفسه كان يمكن أن يرفض هذا المنصب.. أو أن يعود في لحظة ما إلى الاتحاد السوفيتي والقيام بما قام به في ما بعد. هنا من الصعب القول أين.. ومتى.. كان  غورباتشوف مترددا. 

خ 45 

وربما كان ذلك قبيل الانهيار؟

ب 45 

ربما كان ينبغي قبل ذلك وقف الحملة المناهضة لتعاطي المشروبات الروحية التي أتت بخسائر ضريبة هائلة. وربما كان على غورباتشوف شخصيا أن يعاين تلك المشكلات التي برزت في بعض المناطق لا أن يأتمن الآخرين على ذلك. آنذاك، كان يفترض العمل على تطوير صناعة خمور عالية الجودة بالتدريج، وتعويد المستهلكين على مشروبات راقية، غير أن المسؤولين تصرفوا عكس ذلك تماما... فراحوا يقتلعون الكروم في كل مكان ويتلفون أصنافا فريدة منها. ربما كان على غورباتشوف أن يعاين ذلك بنفسه. ثمة مواقف كثيرة كهذه في تلك المرحلة يمكن الخوض فيها ساعاتٍ وساعات، ويمكن تضخيم المآخذ على غورباتشوف وتكرار القول إنه لم يتصرف بما يكفي من الصرامة والحزم.  

خ 46 

ولكن بضعة أشخاص...

ب 46 

أخشى أن تكون هذه المواقف كثيرة...

خ 47 

بضعة أشخاص من مؤسسات القوة، جنرالاتٌ سابقون، ممن أجريت مقابلات معهم، عبروا عن رأيهم بأن غورباتشوف كان يجب أن يتصرف بحزم عند توقيع اتفاقيات تفكيك البلد. وكان عليه أن يرسل القوات الخاصة لاعتقال من اجتمعوا هناك بصفتهم خونة للوطن لأن الشعب صوَّت في الاستفتاء مؤيدا الإبقاء على الاتحاد السوفيتي دولة واحدة، بينما التقى هؤلاء كمتآمرين وقرروا كل شيء لوحدهم.... فلماذا لم يقدم غورباتشوف على اعتقالهم؟

ب 47 

بهذا الخصوص يمكنني أن أقول مايلي: أواخر ثمانينات القرن الماضي كان الناس كما تعلم يخرجون في موسكو إلى الساحات بعشرات ومئات الآلاف للاحتجاج في أمور أقل أهمية بكثير.. (خالد: نعم).. ويمكنك أن تتصور ما كان سيحدث لو أن غورباتشوف استخدم القوة. وكم  من حشود كانت ستتظاهر في موسكو وبطرسبورغ وغيرها من المدن.

خ 48 

دفاعا عن يلتسين؟

ب  48 

 طبعا، طبعا. فواقعيا كان يلتسين آنذاك السياسيَ الأكثر شعبية في الاتحاد السوفيتي. وتلك الشعبية عمليا كانت هدية له من أولئك الذين أقدموا على...

خ 49 

تمرد أغسطس...

ب 49 

... نعم، وإذا كان لابد من الحديث عن التردد فربما أولئك التمردون كانوا الأكثر ترددا. وبالمناسبة، نحمد الله على أنهم كانوا كذلك.. فلو تصرفوا بمزيد من الحزم لأريقت الدماء.. ولكان الأمر في غاية السوء للجميع..

خ 50 

كثيرون يقولون إن غورباتشوف بعد فشل الانقلاب عليه في اغسطس عام 1991 كان ينبغي أن يخرج إلى الحشود لقيادة الحركة المناهضة للتمرد كما فعل يلتسين...

ب 50 

غورباتشوف اتخذ موقفا مناهضا للتمرد منذ البداية...

خ 51 

عفوا.. أنا أقصد أن يتخذ موقفا نشطا وليس بالكلام والبيانات..

ب 51 

هناك تسجيل صوتي لتصريحات له يدين فيها المتمردين. وهذا التسجيل طبعا لم يذع أثناء التمرد، ولكنه أذيع في ما بعد... توجه الانتقادات إلى غورباتشوف لأنه لم ينتقل من المطار فورا إلى اجتماع مجلس السوفيت الأعلى لروسيا الاتحادية.

خ 52 

تماما. 

ب 52 

أنا لا أعلم بماذا كان يفكر آنذاك.

خ 53 

تعلل بأن زوجته كانت مريضة...

ب 53 

أنا لا أتصور تماما حالته النفسية آنذاك. ولم أناقش معه ذلك أبدا. ولكنني مرة أخرى أعتقد أن الانتقاد بأثر رجعي سهل جدا.. وأنا أتفهم ألم كثيرين في روسيا جراء انهيار الاتحاد السوفيتي. بالمناسبة، لا تبين استطلاعات الرأي نسبة عالية للذين يأسفون لتفكك الاتحاد السوفيتي في أية جمهورية أخرى كنسبتهم في روسيا. هذا مع العلم أن بوريس يلتسين ومجلس السوفيت الأعلى لروسيا الاتحادية في تلك السنوات لعبا الدور الحاسم - ربما- في تفكيك الاتحاد. وعلينا جميعا أن نتمعن في هذا التناقض ونفهمه بشكل ما. وهذا ليس بالأمر السهل. أنا أدرك أن كثيرين لايريدون التمعن في هذا الأمر.. ولا يريدون فهمه..

خ 54 

ولا يريدون تحمل مسؤولية  ذلك...

ب 54 

ولكن حتما يجب التمعن في ذلك وفهمه مع الزمن. أعتقد أن الجيل الحالي ربما لن يستطيع القيام بذلك.. ربما الجيل الأكثر شبابا.. وجيل المؤرخين الأكثر شبابا، سيستطيع تناول ذلك بنزاهة بلا انحياز.. خاصة وأننا استطعنا بعد سنين عديدة تقويم أحداث الثورة الروسية بنزاهة، ولو أن الحكم النهائي لم يصدر بعد. على أقل تقدير شرع المؤرخون في مناقشة أحداث تلك السنين بنزاهة. سيأتي وقت- كما أعتقد- ويعود المؤرخون حتما إلى الأحداث التاريخية الكبرى ذات الصلة بالبريسترويكا والمرحلة التي تلتها.. وسيتمثلون كل شيء بعمق وعناية. وسيصلون ربما إلى إجماع ما ولو أنهم حتى الآن لم يصلوا إلى رأي موحد بشأن ثورة أكتوبر. في عام 2017 عند الاحتفال بالذكرى المئوية لذاك الحدث لم نسمع تقويما موزونا.. ولذا قد يستمر الجدل حول البريسترويكا إلى الأبد. وأنا سوف أشارك في هذه السجالات ما دمت حيا. أما في ما بعد.. فالأجيال القادمة ستصدر حكمها.

خ 55 

شكرا جزيلا على هذا الحديث. كان التواصل معك هذه المرة، والتي قبلها، مثيرا للاهتمام وشيقا جدا. ولي الأمل أن نلتقي مجددا لنتناول معك مواضيع أخرى.. شكرا لك.

ب 55 

حسنا. ولكم  الشكر.



موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا