أوكرانيا النووية: ماذا تعني تهديدات كييف بحيازة الأسلحة الأكثر فتكاً في العالم

أخبار الصحافة

أوكرانيا النووية: ماذا تعني تهديدات كييف بحيازة الأسلحة الأكثر فتكاً في العالم
انسخ الرابطhttps://r.rtarabic.com/sfqi

كييف تزعم أنها يمكن أن تحصل على قنبلة ذرية في حال عدم تلقيها الحماية الغربية من روسيا.

صرح الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بأن بلاده سيكون لها كل الحق في أن تصبح قوة نووية، مستشهدا بوثيقة وقعتها الدول الكبرى عندما وافقت كييف على التخلص من الأسلحة النووية الموروثة من الاتحاد السوفيتي مقابل ضمانات أمنية.

1) ما دلالات كل هذا الحديث عن حيازة أوكرانيا لأسلحة نووية؟

يوم السبت، أعلن زيلينسكي عن إمكانية حصول أوكرانيا على أسلحة نووية. وخلال مشاركته في مؤتمر ميونخ للأمن اشتكى الرئيس الأوكراني من أن الأطراف الموقعة على مذكرة بودابست لا ترغب في إجراء مشاورات إضافية حول انتهاك روسيا المزعوم لهذه الاتفاقية. وحذر قائلا: "إذا لم تحدث [المشاورات] مرة أخرى أو إذا كانت نتائجها لا تضمن الأمن لبلدنا، سيكون لأوكرانيا كل الحق في الاعتقاد بأن مذكرة بودابست لا تعمل وأن جميع القرارات لعام 1994 والتي يجب تنفيذها بالجملة باتت موضع شك".

أما الوثيقة التي أشار إليها فتم توقيعها عندما وافقت أوكرانيا على التخلي عن أسلحتها النووية. تدعي كييف أن روسيا انتهكت الاتفاقية في عام 2014 وأن الموقعين الآخرين يتحملون المسؤولية الأخلاقية عن ذلك على أقل التقدير.

2) ما هي الأسلحة النووية الأوكرانية؟

لفترة قصيرة من تاريخها كانت أوكرانيا قوة نووية حيث كانت ترسانتها النووية جزءاً من إرث كييف وأصبح في أيديها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وفي ذلك الحين وقعت بيلاروس وكازاخستان المستقلتان المشكلتان حديثا في موقف مماثل إذ كانت الأسلحة الاستراتيجية السوفيتية منشورة على أراضيهما قبل انهيار الاتحاد.

حينذاك كانت أوكرانيا ثالث أكبر قوة نووية من الناحية التقنية، وهي حقيقة تاريخية ذكرها زيلينسكي في كلمته في المؤتمر. وكان على أراضيها أكثر من مئة صاروخ باليستي عابر للقارات من نوع UR-100N بالإضافة إلى قرابة 50 قطاراً نووياً من طراز RT-23 Molodets وأسطول من القاذفات الاستراتيجية المزودة بالأسلحة النووية. في المجموع كانت أوكرانيا قد نشرت أو خزنت حوالي 1700 رأس نووي، لكن في الواقع ظلت موسكو مسيطرة عليها جميعاً.

بطبيعة الحال حرصت الدول الغربية على التخلص من المخزون الخطير وجعل روسيا الدولة الوحيدة الوريثة للاتحاد السوفيتي القادرة على الردع النووي. ومهما كان، لم تلق أصوات السياسيين الواقعيين المدافعين عن أوكرانيا النووية آذانا صاغية.

3) ما هي مذكرة بودابست؟

وافقت أوكرانيا وبيلاروس وكازاخستان على تفكيك ترساناتها النووية والتوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) والتي تسمح فقط لخمس دول في العالم بحيازة الأسلحة النووية، هي الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. ومذكرة بودابست الخاصة بالضمانات الأمنية هي عبارة عن ثلاث وثائق متطابقة المضمون لا تختلف في عناوينها إلا أسماء البلدان، وقعتها الدول المنزوعة السلاح بالإضافة إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا.

توضح الوثيقة التي وقعتها كييف كيف تأخذ الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا على عاتقها عدة التزامات تجاه أوكرانيا، بما فيها الالتزامات المتعلقة بـ "استقلالها وسيادتها" و"الحدود الحالية" للبلاد.

كما تعهدت الدول الثلاث بعدم استخدام التهديد بالقوة العسكرية أو بالإكراه الاقتصادي ضد أوكرانيا واستخدام نفوذها في مجلس الأمن الدولي للدفاع عنها "في حال أصبحت أوكرانيا ضحية لعمل عدواني أو عرضة للتهديد بعدوان تستخدم فيه الأسلحة النووية".

تصر كييف منذ عام 2014 على أن روسيا انتهكت الاتفاق عندما عادت شبه جزيرة القرم وأجزاء من شرق أوكرانيا إلى روسيا.

بينما تنفي موسكو ذلك، وتقول إن سكان القرم مارسوا حقهم في تقرير المصير بموجب ميثاق الأمم المتحدة عندما صوتوا لصالح الانفصال عن أوكرانيا والعودة إلى أحضان روسيا. وحسب روسيا إن الصراع في منطقة دونباس حرب أهلية شنتها كييف ضد المناطق الانفصالية وليس صراعاً دولياً.

4) هل فشل الغرب في الدفاع عن أوكرانيا؟

يبالغ بعض السياسيين في تقدير الالتزامات التي قطعتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بموجب مذكرة بودابست، حيث زعمت رئيسة الوزراء السابقة لأوكرانيا يوليا تيموشينكو في عام 2014 أنه "بإعلانها (روسيا) الحرب (على أوكرانيا) أعلنت الحرب أيضا ضد ضامني أمننا، أي الولايات المتحدة وبريطانيا".

ويشير علماء القانون إلى أن المذكرة لا تلزم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالدفاع عن أوكرانيا ضد معتد أجنبي. إنها تمنحهما فقط مبرراً إضافياً إذا اختارتا التدخل عسكرياً. بمعنى آخر، إنها تأكيد أمني وليست ضماناً أمنياً على عكس التزام أعضاء حلف الناتو بالدفاع المشترك أو التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن اليابان، على سبيل المثال.

5) هل ستصبح أوكرانيا دولة نووية الآن؟

قانونيا يمكن القول أن لا شيء يمنع أوكرانيا من الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة ‏النووية وتطوير أسلحتها النووية. إن كوريا الشمالية تمضي بنجاح في هذا المسار رغم كل ‏الجهود الدولية لإيقاف بيونغ يانغ. ‏

هناك أمثلة أخرى مثل الهند وباكستان اللتين طورتا أسلحتهما النووية لردع بعضهما البعض، ‏وكذلك إسرائيل التي تحافظ على استراتيجيتها في الغموض حول ترسانتها النووية التي تمتلكها ‏حسب الرأي السائد. ‏

ولكن إمكانيات كييف التقنية لإنشاء سلاح نووي أمر آخر. لدى أوكرانيا صناعة نووية مدنية متطورة وعندها بعض المفاعلات القديمة في محطاتها الكهربائية والتي أنشئت في زمن الاتحاد ‏السوفييتي وكذلك الأمر بالنسبة لمراكز البحوث النووية. كما أنها ورثت صناعات طيران ‏وفضاء متطورة جدا قادرة على صنع صواريخ بالستية عابرة للقارات وغيرها من وسائل ‏التوصيل. ‏

ومن جهة أخرى لم تكن لدى أوكرانيا أبدا مرافق لتخصيب اليورانيوم أو لإعادة معالجة ‏البلوتونيوم المطلوبة لإنتاج المواد الصالحة لصنع السلاح النووي. ولم تكن ثمة مصانع لصنع الأسلحة النووية ‏الحقيقية على أراضيها. ‏

وكانت تقوم بعمليات استخراج اليورانيوم منذ الخمسينيات من القرن الماضي، ولكن الإنتاج قد ‏انخفض كثيرا خلال الأعوام الأخيرة. فالمناجم تحتاج إلى استثمارات كبيرة. ‏

بعض المسؤولين الأوكرانيين مثل الجنرال المتقاعد بيترو هاراشّوك، يؤكدون على أن أوكرانيا ما ‏تزال تحتفظ بخبرات تقنية كافية لتتمكن من الحصول على نطاق كامل من الأسلحة النووية ‏ومنظومات التوصيل. وهذا يمكن أن يكون حقيقة، حسب ما قاله الخبير لقناة ‏RT‏. ‏

وقال إيليا كرامنيك الباحث في مركز أمريكا الشمالية للدراسات التابع لمعهد الاقتصاد العالمي ‏والعلاقات الدولية لقناة ‏RT‏: "تقنيا يوجد في أوكرانيا صناعةٌ تسمح بعد إدخال بعض التعديلات عليها ‏بصناعة منظومات الأسلحة النووية". ‏

ولكن الأهم من ذلك أنه لن يكون بإمكان كييف أن تفعل ذلك سرا، فعلى الأقل ستكون بحاجة إلى ‏إجراء اختبارات للتأكد من أن تصميماتها تعمل فعلا. كما أن الأجزاء الأخرى من البرنامج ‏الناجح لصناعة الأسلحة النووية سيكون قابلاً للكشف من قبل الدول الغربية وروسيا على حد سواء. ‏ولا شك بأن موسكو ستتعامل مع تهديد أن تصبح أوكرانيا دولة نووية كما تتعامل ‏إسرائيل مع احتمال أن تصبح إيران نووية. ‏

وإذا صرحت كييف علنا عن نيتها بإعادة إنشاء قدراتها النووية، فلن تكون على الأغلب قادرة ‏على جذب أنصارها الغربيين إلى هذه الخطة. وقال كرامنيك: "أنا مقتنع شخصيا بأنه لن تقوم ‏ولا أية دولة نووية واحدة بمساعدة أوكرانيا على المضي في هذا المسار". ‏

‏"وذلك ببساطة لأن لا أحد يريد أن يتعامل مع ما سيظهر من مشاكل لا مفر منها، متى أصبح ‏معروفا حقا أن أوكرانيا تطور أسلحة نووية". ‏

وبدلا من الاستمرار في تقديم الرعاية والمساعدة، ستعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد ‏أوكرانيا، من خلال احتمال فرض عقوبات اقتصادية. فالوضع الاقتصادي الحالي لأوكرانيا ‏واعتماد حكومتها على المساعدة الأجنبية يجعلان فرص كييف لتقوم بما قامت به بيونغ يانغ ‏ضئيلة جدا. ‏

6) إن كان الاقتراح غير واقعي فلم تطرق الرئيس إليه؟

لا يبدو الأمر مستجداً، فكما قيل سابقا، هذه الفكرة مطروحة في أوكرانيا منذ ‏سنوات، بما في ذلك مؤخرا من قبل السفير الأوكراني في ألمانيا أندريه ميلنيك. ‏

ويمكن الافتراض أن المواطنين في كييف يعرفون كل العقبات التي ستواجههم في حال ‏أصبحت أوكرانيا منبوذة بسبب الأسلحة النووية، بما في ذلك من قبل الدول التي تعتبر اليوم ‏مؤيدا نشطا ومتبرعا ماليا ضخما لأوكرانيا. ‏

إحدى التفسيرات المحتملة قد جاءت على لسان الرئيس زيلنسكي نفسه في ميونخ. ‏

فقد قال خلال حلقة النقاش بعد الكلمات: "أعطونا أموالا غير مشروطة. لماذا كلما ‏يمنحوننا هذا المبلغ أو ذاك (يقولون) يجب إجراء إصلاح واحد او اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو ‏خمسة أو سبعة أو ثمانية أو عشرة؟ ‏

وأضاف زيلينسكي: "أنظروا هناك حرب أيضا. هل توجد أية دولة في العالم لديها مثل هذا ‏الجيش القوي في الشرق وتجري الإصلاحات؟ هذا أمر ليس بالسهل". ‏

وبهذا الشكل، وبالأخذ بالحسبان كل الظروف، فإن طموحات أوكرانيا النووية، كغيرها من الأفكار ‏المشحونة عاطفيا والتي صرحت بها سابقا، قد لا تكون إلا جزءا من حملة إثارة الاهتمام، لا خارطة طريق واقعية. ومع ذلك، هذا لن يغير حقيقة أن أخطار الانتشار المحتملة للأسلحة ‏النووية يعتبرها الكثيرون قضيةً تثير قلقا أقصى. ‏

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

تويتر RT Arabic للأخبار العاجلة
موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا