بوتين يحذر من إهمال دروس التاريخ وإعادة كتابته

أخبار روسيا

بوتين يحذر من إهمال دروس التاريخ وإعادة كتابته
انسخ الرابطhttps://r.rtarabic.com/o4z5

كتب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقالا تحت عنوان "75 عاما على النصر العظيم: المسؤولية المشتركة أمام التاريخ والمستقبل".

نص ترجمة المقال كاملا:

ها قد مرّ 75 عاما على انتهاء الحرب الوطنية العظمى وخلال هذه السنوات نشأت وترعرعت عدة أجيال وتغيرت الخريطة السياسية لكوكبنا ولم يعد الاتحاد السوفييتي الذي حقق هذا النصر الساحق والعظيم على النازية وأنقذ العالم بأسره موجودا.

وأصبحت أحداث تلك الحرب حتى بالنسبة للمشاركين فيها من الماضي البعيد ولكن لماذا نحتفل بالـ9 من مايو بأهم عيد في روسيا، بينما تتوقف الحياة في الـ22 من يونيو ونشعر بغصة؟

اعتدنا القول إن الحرب تركت أثرا عميقا في تاريخ كل أسرة وخلف هذه الكلمات يتكشف مصير ملايين الناس ومعاناتهم وآلام الخسارة ومشاعر الفخر والحقيقة والذاكرة.

هذه الحرب بالنسبة لوالديّ كانت عذابا أليما من حصار لينينغراد حيث توفي أخي فيتيا بعمر سنتين وبقيت أمي بأعجوبة على قيد الحياة وتطوع أبي، على الرغم من إعفائه من الخدمة لحماية مدينته الأم، لقد تصرف كما الملايين من المواطنين السوفييت.

لقد حارب في منطقة نيفسكي بياتاتشوك (منطقة صغيرة بني فيها جسر العبور على الضفة الشرقية لنهر نيفا) وأصيب بجروح بالغة.

وكلما مرت السنين أصبحت الحاجة أكبر للتحدث إلى الأهل ومعرفة المزيد عن فترة الحرب في حياتهم. ولكن أصبح من المستحيل سؤالهم، لذلك أحتفظ بقداسة في قلبي بكل الأحاديث مع أبي وأمي حول هذا الموضوع وعواطفهما المقتضبة.

ومن المهم بالنسبة لي ولأبناء جيلي أن يدرك أبناؤنا وأحفادنا وأبناؤهم تلك الآلام والعذابات التي مرّ بها أسلافنا وكيف ولماذا تمكنوا من الصمود وتحقيق النصر؟

من أين أتوا بعزيمتهم الفولاذية حقا والتي أدهشت وأذهلت العالم بأسره؟ نعم إنهم حموا ديارهم وأطفالهم وأقرباءهم وأسرهم، ولكن ما جمعهم هو حب بلادهم، حب الوطن.

إن هذا الشعور الشخصي العميق بكل أبعاده انعكس في ماهية شعبنا وأصبح واحدا من أسباب تضحياته وبطولاته الحاسمة في الحرب ضد النازيين.

غالبا ما يتساءلون: كيف سيتصرف الجيل الحالي في ظروف الأوضاع الحرجة؟ فيتراءى أمام عيني الأطباء الشبان والممرضات وأحيانا طلاب الأمس الذين يتواجدون اليوم في "منطقة الخطر" لإنقاذ حياة الناس.

وجنودنا في حربهم ضد الإرهاب الدولي في شمال القوقاز وسوريا يتصدون حتى الموت. إنهم شباب يافعون! لقد كان العديد من فرقة المظليين السادسة الخالدة الأسطورية بعمر الـ19 – 20 ولكنهم جميعا أثبتوا أنهم جديرون بمفاخر محاربي وطننا الذين حموه في الحرب الوطنية العظمى.

لذا فأنا واثق من أنه في صفات شعوب روسيا ترسخت تأدية الواجب والتضحية بالنفس إذا تطلبت الظروف ذلك. فالشجاعة والوطنية والحب لمسقط الرأس والأسرة والوطن كل هذه القيم لا تزال تعتبر إلى اليوم بالنسبة للمجتمع الروسي أساسية ومحورية. وسيادة دولتنا قائمة إلى حد كبير على هذه القيم.

لقد ظهرت لدينا تقاليد جديدة أوجدها الشعب، مثل "الفوج الخالد"، وهو مسيرة ذاكرتنا المعبرة عن امتناننا وصلة الدم الحية بين الأجيال.

فالملايين من الناس يخرجون في المسيرة حاملين صور أهلهم الذين دافعوا عن الوطن وقضوا على النازية. وهذا يعني أن حياتهم وعذابهم وتضحيتهم والنصر الذي أهدوه لنا كل ذلك لن ينسى أبدا.

إن مسؤوليتنا أمام الماضي والحاضر تعني القيام بكل شيء لكي لا نسمح بتكرار تلك الفواجع المرعبة.

لذلك وجدت أنه من واجبي أن أقدم هذه المقالة عن الحرب العالمية والحرب والوطنية العظمى. لقد ناقشت مرارا هذه الفكرة خلال محادثاتي مع الزعماء العالميين وقوبلت بتفهمهم.

في نهاية العام الماضي وخلال قمة زعماء بلدان رابطة الدول المستقلة كنا متحدين في أنه من الضروري أن نسلم لأحفادنا الذاكرة حول أن هذا النصر على النازية، قد تحقق قبل كل شيء على يد الشعب السوفييتي، وأنه في هذه المعركة البطولية سواء على الجبهة أو في الجبهة الداخلية وجنبا إلى جنب وقف ممثلو جميع جمهوريات الاتحاد السوفييتي. وعندها تحدثت مع زملائي أيضا عن الفترة الصعبة التي سبقت الحرب.

وهذا الحديث قد أثار ضجة كبيرة في أوروبا والعالم. ما يعني أن التوجه إلى دروس وعبر الماضي أصبح أمرا ضروريا وموضوعيا بالفعل.

ومع ذلك كانت ثمة مشاعر كثيرة وعقد مخفية بشكل سيء واتهامات صاخبة. وبعض السياسيين كعادتهم هرعوا للتصريح بأن روسيا تحاول إعادة كتابة التاريخ.

ولكنهم مع ذلك لم يتمكنوا من نفي أي حقيقة أو تقديم أي حجة وبالطبع من الصعب وحتى من المستحيل تحدي الوثائق الحقيقية التي تحفظ ليس في الأرشيفات الروسية فحسب، وبل والأجنبية أيضا.

لذا ثمة حاجة للاستمرار في تحليل الأسباب التي أدت إلى نشوب الحرب العالمية والتعمق في أحداثها المعقدة والفواجع والانتصارات، وفي دروسها وعبرها لبلدنا وللعالم بأجمعه.

وهنا أكرر أنه من الضروري بمكان أن نعتمد فقط على المواد الأرشيفية وشهادات المعاصرين ونحول دون أي تخمينات إيدولوجية أو مسيّسة.

وأذكّر مجددا بأمر واضح وهو أن الأسباب العميقة للحرب العالمية الثانية تنبثق بشكل أساسي من القرارات التي أتخذت بنتيجة الحرب العالمية الأولى.

فمعاهدة فرساي أصبحت بالنسبة لألمانيا رمزا لعدم المساواة العميق. والحديث دار عمليا عن نهب الدولة التي كان يتوجب عليها دفع تعويضات كبيرة للحلفاء الغربيين استنزفت اقتصادها. والقائد الأعلى لقوات الحلفاء المارشال الفرنسي فرديناند فوش وصف فرساي متنبئا: "هذا ليس سلاما وإنما هدنة لعشرين عاما".

إن الإذلال الوطني بالتحديد كان قد هيأ أرضا خصبة للمشاعر الانتقامية والراديكالية في ألمانيا، فلعب النازيون بمهارة على هذه العواطف وبنوا عليها دعايتهم الواعدة بتخليص ألمانيا من "إرث فرساي" وإعادة البلاد إلى قوتها السابقة، بينما قاموا في الواقع بدفع الشعب الألماني إلى حرب جديدة.

ومن المفارقات أن الدول الغربية، وخاصة المملكة المتحدة والولايات المتحدة، قد ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في ذلك، حيث استثمرت مؤسساتهم المالية والصناعية بنشاط في المصانع والمعامل الألمانية التي تصنع المعدات العسكرية.

وكان من بين الطبقة الأرستقراطية والمؤسسة السياسية العديد ممن يدعمون الحركات الراديكالية واليمينية المتطرفة والقومية، التي كانت تقوى وتنتشر في ألمانيا وأوروبا.

تسبب "النظام العالمي" لفرساي في نشوب العديد من الخلافات الضمنية والصراعات الواضحة، التي دارت حول حدود الدول الأوروبية الجديدة التي حددها المنتصرون بشكل عشوائي في الحرب العالمية الأولى.

وتلا ذلك ترسيم الحدود متبوعا على الفور بالنزاعات الإقليمية والمطالبات المتبادلة التي تحولت إلى "قنابل موقوتة".

ومن أهم نتائج الحرب العالمية الأولى كان إنشاء عصبة الأمم. كانت آمال كبيرة تترتب على تلك المنظمة الدولية لضمان السلام الدائم والأمن الجماعي.

كانت تلك الفكرة تقدمية، بحيث أنه إذا تم الالتزام بها بثبات، لأمكنها بالفعل الحيلولة دون تكرار أهوال الحرب العالمية.

إلا أن عصبة الأمم التي تهيمن عليها القوى المنتصرة، أي فرنسا والمملكة المتحدة قد أثبتت أنها غير فعالة، وغرقت في مناقشات لا طائل من ورائها. ولم تصغ عصبة الأمم والقارة الأوروبية بشكل عام للنداءات المتكررة من قبل الاتحاد السوفيتي لإنشاء نظام أمن جماعي عادل، وبشكل خاص، التوقيع على ميثاق أوروبا الشرقية واتفاقية المحيط الهادئ لمنع العدوان وتم تجاهل هذه المقترحات.

كما فشلت عصبة الأمم في منع الصراعات في أنحاء مختلفة من العالم، مثل هجوم إيطاليا على إثيوبيا، والحرب الأهلية في إسبانيا، والعدوان الياباني على الصين، وضم النمسا إلى ألمانيا (أنشلوس النمسا).

علاوة على ذلك، وفي مؤامرة ميونخ التي شارك فيها بالإضافة إلى هتلر وموسوليني، قادة بريطانيون وفرنسيون، وبموافقة كاملة من عصبة الأمم تم تقسيم تيشكوسلوفاكيا.

أود أن أشير في هذا الصدد إلى أنه، على عكس العديد من القادة الأوروبيين الآخرين في ذلك الوقت، لم يلطخ ستالين نفسه بلقاء مباشر مع هتلر، الذي كان معروفا بين الدول الغربية كسياسي حسن السمعة، وكان ضيفا مرحبا به في العواصم الأوروبية.

كما شاركت بولندا في تقسيم تشيكوسلوفاكيا إلى جانب ألمانيا. فقد قرروا معا مسبقا من سيحصل على أي قطعة من الأراضي التشيكوسلوفاكية.

في 20 سبتمبر عام 1938، أبلغ السفير البولندي في ألمانيا جوزيف ليبسكي، وزير خارجية بولندا جوزيف بيك، بشأن التأكيدات التالية التي قدمها هتلر: "... في حال تطورت الأوضاع بين بولندا وتشيكوسلوفاكيا حول مصالحنا في تيشين إلى نزاع، فإن الرايخ سيقف إلى جانب بولندا ". حتى أن الزعيم النازي قدم نصائح بأن لا تبدأ بولندا بأي رد فعل "إلا بعد أن يحتل الألمان جبال السوديت".

كانت بولندا تدرك أنه بدون دعم هتلر، ستفشل كل خططها الاستعمارية التي وضعتها. وهنا أود أن أقتبس من تسجيل للمحادثة بين السفير الألماني في وارسو هانز أدولف فون مولتك وجوزيف بيك التي جرت في 1 أكتوبر عام 1938، وركزت على العلاقات البولندية التشيكية وموقف الاتحاد السوفيتي من هذه المسألة. تقول المحادثة: "أعرب السيد بيك عن امتنانه الكبير على التوضيح الداعم الذي منح للمصالح البولندية في مؤتمر ميونيخ، فضلا عن صدق العلاقات خلال الصراع التشيكي. وقدرت الحكومة والشعب [في بولندا] عاليا موقف الفيورر ومستشار الرايخ".

كان تقسيم تشيكوسلوفاكيا وحشيا ولا أخلاقيا. وقوضت (مؤامرة) ميونيخ تلك الضمانات الرسمية الهشة التي بقيت في القارة. وبينت أن الاتفاقات المتبادلة لا قيمة لها. كانت مؤامرة ميونيخ بمثابة الزناد الذي جعل الحرب الكبرى في أوروبا حتمية.

يرغب السياسيون الأوروبيون، والقادة البولنديون على وجه الخصوص، اليوم "بالصمت" عن مؤامرة ميونيخ. لماذا؟ ذلك ليس لأن بلادهم قد خرقت التزاماتها ذات مرة ودعمت مؤامرة ميونيخ، وبعضهم شارك في تقسيم الغنيمة فحسب، بل لأنه من المحرج نوعا ما أنه خلال تلك الأيام الدرامية لعام 1938، كان الاتحاد السوفيتي هو الوحيد الذي دعم تشيكوسلوفاكيا.

حاول الاتحاد السوفيتي ووفقا لالتزاماته الدولية، بما في ذلك الاتفاقات مع فرنسا وتشيكوسلوفاكيا، منع وقوع تلك المأساة بينما كانت بولندا، وفي سعيها لتحقيق مصالحها، تبذل قصارى جهدها لعرقلة إنشاء نظام أمن جماعي في أوروبا.

وكان وزير الخارجية البولندي جوزيف بيك قد كتب بصراحة عن ذلك في رسالته المؤرخة في 19 سبتمبر 1938 إلى السفير المذكور جوزيف ليبسكي قبل اجتماعه مع هتلر: "في العام الماضي، رفضت الحكومة البولندية أربع مرات اقتراح الانضمام إلى الجهود الدولية للتدخل من أجل الدفاع عن تشيكوسلوفاكيا".

اختارت بريطانيا، وكذلك فرنسا، التي كانت في ذلك الوقت الحليف الرئيسي للتشيك والسلوفاك، سحب ضماناتهما وترك هذا البلد الأوروبي الشرقي إلى مصيره. وليس التخلي عنه وحسب، بل سعت إلى توجيه النازيين شرقا بهدف جعل تصادم ألمانيا والاتحاد السوفيتي حتميا وإراقة المزيد من الدماء.

هذا هو جوهر سياسة "الاسترضاء" الغربية، التي تم اتباعها ليس فقط تجاه الرايخ الثالث ولكن أيضا تجاه المشاركين الآخرين في ما يسمى بميثاق مناهضة الكومنترن - إيطاليا الفاشية واليابان العسكرية.

وبلغت هذه السياسة ذروتها في الشرق الأقصى في إبرام الاتفاق الأنجلو-ياباني في صيف عام 1939، والذي أطلق العنان لطوكيو للتصرف بحرية في الصين. كانت القوى الأوروبية الرائدة غير راغبة في الاعتراف بالخطر المميت الذي تشكله ألمانيا وحلفاؤها على العالم كله. كانوا يأملون بأن لا تمسهم الحرب.

أظهرت مؤامرة ميونيخ للاتحاد السوفيتي أن الدول الغربية ستتعامل مع القضايا الأمنية دون أخذ مصالحه بعين الاعتبار. وإذا سنحت الفرصة لهم يمكنهم حتى إنشاء جبهة معادية للسوفييت.

ومع ذلك، بذل الاتحاد السوفيتي قصارى جهده لاستغلال أي فرصة لإنشاء تحالف مناهض لهتلر. على الرغم من - سأقولها مرة أخرى - التعامل المزدوج من جانب الدول الغربية. على سبيل المثال، أبلغت المخابرات القيادة السوفيتية بمعلومات تفصيلية عن الاتصالات من وراء الكواليس بين بريطانيا وألمانيا في صيف عام 1939.

وألفت الانتباه إلى أن تلك الاتصالات كانت نشطة تماما وتزامنت عمليا مع المفاوضات الثلاثية بين فرنسا والمملكة المتحدة والاتحاد السوفييتي، والتي على العكس من ذلك، كان الشركاء الغربيون يماطلون بها.

وفي هذا الصدد، سأذكر وثيقة من الأرشيف البريطاني وهي عبارة عن تعليمات للبعثة العسكرية البريطانية التي جاءت إلى موسكو في أغسطس عام 1939.

وتنص بشكل مباشر على أنه على الوفد "أن يشرع في المفاوضات ببطء شديد"، و"أن حكومة المملكة المتحدة ليست مستعدة لتحمل أي التزامات محددة بالتفصيل وتقييد حريتها تحت أي ظرف من الظروف".

وسأشير أيضا إلى أنه خلافا للوفدين البريطاني والفرنسي، كان الوفد السوفييتي برئاسة كبار قادة الجيش الأحمر، الذين لديهم كل الصلاحيات اللازمة "لتوقيع اتفاقية عسكرية بشأن تنظيم الدفاع العسكري عن إنجلترا وفرنسا والاتحاد السوفيتي ضد العدوان في أوروبا".

لقد لعبت بولندا، التي لم تكن تريد أي التزامات تقيدها تجاه الجانب السوفييتي، لعبت دورها في إفشال المفاوضات. وحتى تحت ضغط الحلفاء الغربيين، رفضت القيادة البولندية القيام بأية أعمال مع الجيش الأحمر في مواجهة الفيرماخت.

وفقط عندما بات وصول ريبنتروب إلى موسكو معروفا، قام جوزيف بيك على مضض وبشكل غير مباشر بإبلاغ الجانب السوفييتي عن طريق الدبلوماسيين الفرنسيين بما يلي: "... في حالة العمل المشترك ضد العدوان الألماني، فإن التعاون بين بولندا والاتحاد السوفييتي، في ظل الشروط التقنية التي يجب تحديدها، ليس مستبعدا"، وفي الوقت نفسه، قال لزملائه موضحا: "... أنا لست ضد هذه الصيغة فقط من أجل تسهيل التكتيكات، ووجهة نظرنا المبدئية في ما يتعلق باتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية نهائية وتبقى دون تغيير".

في هذا الوضع الذي تشكل، وقع الاتحاد السوفيتي معاهدة عدم الاعتداء مع ألمانيا، وفي الواقع كان (الاتحاد السوفيتي) الأخير بين الدول الأوروبية الذي فعل ذلك. علاوة على أنه فعل ذلك على خلفية خطر حقيقي يوحي بمواجهة حربٍ على جبهتين، مع ألمانيا في الغرب ومع اليابان في الشرق، حيث كانت هناك معارك شديدة تدور بالفعل عند نهر خالخين-غول.

حقيقة، يستحق ستالين والدائرة المقربة منه الكثير من الاتهامات العادلة. فنحن نتذكر جرائم هذا النظام ضد شعبه وأهوال القمع الجماعي. أكرر، يمكن لوم الزعماء السوفييت على الكثير من الأمور، لكن لا يمكن اتهامهم بعدم فهم طبيعة التهديدات الخارجية.

لقد رأوا أن هناك محاولات لترك الاتحاد السوفيتي بمفرده أمام ألمانيا وحلفائها، وتصرفوا انطلاقا من إدراكهم لهذا الخطر الحقيقي من أجل كسب وقت ثمين لتعزيز دفاع البلاد.

هناك الآن الكثير من الأحاديث والاتهامات التي توجه ضد روسيا الحديثة على وجه التحديد بشأن معاهدة عدم الاعتداء المبرمة في ذلك الوقت. نعم، روسيا هي الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي، والحقبة السوفيتية بكل انتصاراتها ومآسيها تعد جزء لا يتجزأ من تاريخنا الذي يمتد لألف عام. لكنني أذكّر أيضا بأن الاتحاد السوفييتي أعطى تقييما قانونيا وأخلاقيا لما يسمى باتفاق مولوتوف - ريبنتروب.

ففي القرار الصادر عن المجلس الأعلى في 24 ديسمبر 1989 تمت إدانة البروتوكولات السرية رسميا باعتبارها "فعلا شخصيا"، لم يكن يعبر على الإطلاق عن "إرادة الشعب السوفييتي، الذي لا يتحمل المسؤولية عن هذه المؤامرة".

في ذات الوقت، تفضل الدول الأخرى عدم تذكر الاتفاقات التي تحمل توقيعات النازيين والسياسيين الغربيين، بل ولا تلمح لإمكانية القيام بتقييم قانوني أو سياسي لهذا التعاون، بما في ذلك الموافقة الضمنية لبعض القادة الأوروبيين على الخطط الهمجية للنازيين، وصولا إلى التشجيع المباشر لها.

يكفي أن نتذكر العبارة الساخرة للسفير البولندي في ألمانيا جوزيف ليبسكي، التي قالها في حديث له مع هتلر في 20 سبتمبر 1938: "... إذا حل المسألة اليهودية، سنقيم له [نحن البولنديون] نصبا تذكاريا رائعا في وارسو..".

كما أننا لا نعرف ما إذا كانت هناك أية "بروتوكولات سرية" وملاحق لاتفاقيات عدد من البلدان مع النازيين. يتبقى لنا فقط أن "نصدق كلامهم". فعلى وجه الخصوص، لم يتم حتى الآن رفع السرية عن الوثائق المتعلقة بالمفاوضات الأنجلو-ألمانية السرية. لذلك، نحث جميع الدول على تنشيط عملية فتح أرشيفاتها، ونشر الوثائق التي لم تكن معروفة من قبل عن فترات ما قبل الحرب وفترة الحرب ذاتها، مثلما فعلت روسيا في السنوات الأخيرة. نحن هنا على استعداد للتعاون الواسع، بل ولتنفيذ مشاريع بحثية مشتركة بين العلماء والمؤرخين.

ولكن دعونا نعود إلى الأحداث التي سبقت الحرب العالمية الثانية مباشرة. لقد كان من السذاجة الاعتقاد أنه بعد احتلال تشيكوسلوفاكيا لن تظهر لدى هتلر أطماع في أراض جديدة. وهذه المرة تجاه شريكه الجديد في تقسم تشيكوسلوفاكيا، وأعني بولندا. بالمناسبة، كان الدافع هنا أيضًا هو إرث فرساي، أي مصير ما يعرف بممر دانزيج. إن المأساة اللاحقة لبولندا تقع كليًا على ضمير القيادة البولندية آنذاك، والتي أعاقت إبرام التحالف العسكري الأنجلو-الفرنسي-السوفيتي، بل ومنت النفس بأمل الحصول على مساعدة الشركاء الغربيين، فوضعت بذلك رقاب شعبها تحت عجلات آلة التدمير الهتلرية.

لقد تطور الهجوم الألماني وفقا لعقيدة بيلتزكريغ. وعلى الرغم من المقاومة البطولية الشرسة التي أبداها الجيش البولندي، إلا أنه بعد أسبوع فقط من بدء الحرب، وتحديدا في 8 أيلول/سبتمبر 1939، كانت القوات الألمانية على مشارف وارسو. وهربت النخبة العسكرية والسياسية البولندية إلى رومانيا بحلول 17 أيلول/سبتمبر، مرتكبة بذلك فعل الخيانة لشعبها، الذي واصل حربه ضد الغزاة.

كان أمل بولندا في المساعدة من قبل حلفائها الغربيين هباء. فبعد إعلان الحرب ضد ألمانيا، تقدمت القوات الفرنسية على بعد عشرات الكيلومترات فقط في عمق الأراضي الألمانية. كل ذلك بدا وكأنه مجرد عرض للعمل النشط. علاوة على ذلك، قرر المجلس الأنجلو-فرنسي العسكري الأعلى، الذي عقد أول اجتماع له في 12 أيلول/سبتمبر 1939 في مدينة أبفيل الفرنسية، قرر إيقاف الهجوم تمامًا نظرًا للتطورات السريعة في بولندا. وبدأت الحرب الزائفة سيئة السمعة. وفي الواقع ما هي إلا خيانة صارخة من قبل بريطانيا وفرنسا لالتزاماتهما تجاه بولندا.

في وقت لاحق، وخلال محاكمات نورمبرغ، فسر الجنرالات الألمان نجاحهم السريع في الشرق. واعترف الرئيس السابق لأركان العمليات في القيادة العليا للقوات المسلحة الألمانية، الجنرال ألفريد جودل قائلا: "إن لم نعاني من الهزيمة في عام 1939 فهذا يعود إلى أن حوالي 110 فرقة فرنسية وبريطانية متمركزة في الغرب ضد 23 فرقة ألمانية خلال حربنا مع بولندا ظلت خاملة تماما".

لقد طلبتُ إخراج المجموعة الكاملة من المواد المتعلقة بالاتصالات بين الاتحاد السوفيتي وألمانيا في الأيام الكارثية من آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر 1939 من الأرشيف. وكما تظهر الوثائق ووفقا للفقرة 2 من البروتوكول السري التابع لميثاق عدم الاعتداء بين الاتحاد السوفييتي وألمانيا والمؤرخ في 23 أغسطس 1939 فأنه في حالة إعادة التنظيم الإقليمي السياسي للمناطق المكونة للدولة البولندية، فإن حدود مجالات مصالح البلدين ستسير "تقريبا على طول أنهار نيرو وفيستولا وسان". وبعبارة أخرى، فإن مجال النفوذ السوفييتي لم يشمل فقط المناطق التي كان معظم سكانها من الأوكرانيين والبيلاروسيين، ولكن الأراضي البولندية التاريخية في فيستولا وبوغ أيضا. وهذه الحقيقة معروفة لدى قلة قليلة هذه الأيام.

وبالمثل، لا يعرف سوى عدد قليل جدا أنه فور الهجوم على بولندا، في الأيام الأولى من سبتمبر 1939، دعت برلين بقوة وبشكل متكرر موسكو للانضمام إلى العمل العسكري. ومع ذلك، تجاهلت القيادة السوفيتية تلك الدعوات وخططت لتجنب الانخراط في التطورات الكارثية لأطول فترة ممكنة.

وعندما أصبح من الواضح تماما أن المملكة المتحدة وفرنسا لن تساعدا حليفتهما، وأنه يمكن للفيرماخت أن يحتل بسرعة بولندا بأكملها، وبالتالي يقترب من مداخل مينسك، عندها فقط قرر الاتحاد السوفيتي في صباح يوم 17 سبتمبر إرسال وحدات الجيش الأحمر إلى ما يسمى بخطوط الحدود الشرقية، والتي تشكل في الوقت الحاضر جزءا من أراضي بيلاروسيا وأوكرانيا وليتوانيا.

من الواضح أنه لم يكن هناك بديل. وإلا، فإن الاتحاد السوفيتي سيواجه مخاطر متزايدة بشكل كبير لأنه - سأقول ذلك مرة أخرى - الحدود السوفيتية البولندية القديمة كانت تمتد على بعد بضع عشرات من الكيلومترات من مينسك. وسيتعين على البلاد الدخول في الحرب التي لا مفر منها مع النازيين من مواقع استراتيجية سيئة للغاية، وكان الملايين من الناس من جنسيات مختلفة، بما في ذلك اليهود الذين يعيشون بالقرب من بريست وغرودنو، وبرزيميول، ولفوف وويلنو، سيتركون ليموتوا على أيدي النازيين وشركائهم المحليين – من المعادين للسامية والقوميين المتطرفين.

وحقيقة أن الاتحاد السوفيتي سعى إلى تجنب الانخراط في الصراع المتزايد لأطول فترة ممكنة ولم يكن راغبا في القتال جنبا إلى جنب مع ألمانيا هو السبب في أن المواجهة الحقيقية بين القوات السوفيتية والألمانية قد حدثت في منطقة أبعد بكثير شرقا من الحدود المتفق عليها في البروتوكول السري.

لم تكن على نهر فيستولا ولكنها كانت أقرب إلى ما يسمى بخط كرزون، الذي أوصى به الميثاق الثلاثي في عام 1919 ليكون حدود بولندا الشرقية.

كما هو معروف، ليس هناك أية فائدة من استخدام الصيغة الشرطية عندما نتحدث عن الأحداث الماضية.

سأقول فقط، في سبتمبر 1939، كان لدى القيادة السوفيتية فرصة لتحريك الحدود الغربية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية أبعد غربا، وصولا إلى وارسو، لكنها قررت عدم فعل ذلك.

اقترح الألمان إضفاء الطابع الرسمي على الوضع الراهن الجديد. في 28 سبتمبر 1939، وقع ريبنتروب ومولوتوف في موسكو على معاهدة الحدود والصداقة بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي، بالإضافة إلى البروتوكول السري لتغيير حدود الدولة، والذي تم بموجبه الاعتراف بخط ترسيم الحدود، حيث وقف الجيشان بحكم الواقع.

في خريف عام 1939، بدأ الاتحاد السوفيتي، سيًا وراء أهدافه العسكرية والدفاعية الاستراتيجية، عملية إدراج لاتفيا وليتوانيا وإستونيا. وتم إعلان انضمامها إلى الاتحاد السوفيتي على أساس تعاقدي، بموافقة السلطات المنتخبة في تلك البلدان.

كان هذا يتماشى مع القانون الدولي وقانون الدولة في ذلك الوقت. إلى جانب ذلك، في أكتوبر 1939، أعيدت مدينة فيلنا والمنطقة المحيطة بها، التي كانت في السابق جزءا من بولندا، إلى ليتوانيا.

وحافظت جمهوريات البلطيق داخل اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية على هياكلها الحكومية ولغاتها وكان لها تمثيل في هياكل الدولة العليا للاتحاد السوفيتي.

خلال كل هذه الأشهر لم يتوقف الصراع الدبلوماسي والسياسي - العسكري غير المرئي والعمل الاستخباراتي وفهمت موسكو أنها كانت تواجه عدوا شرسا وقاسيا، وأن حربا سرية ضد النازية كانت قد بدأت بالفعل. ولا يوجد سبب لأخذ التصريحات الرسمية والمذكرات البروتوكولية الرسمية في ذلك الوقت كدليل على "الصداقة" بين الاتحاد السوفيتي وألمانيا.

كان للاتحاد السوفيتي اتصالات تجارية وتقنية نشطة ليس فقط مع ألمانيا، ولكن مع دول أخرى أيضا، في حين حاول هتلر مرارا وتكرارا جذب الاتحاد السوفيتي إلى مواجهة مع المملكة المتحدة لكن الحكومة السوفيتية صمدت أمام تلك المحاولات.

المحاولة الأخيرة لإقناع الاتحاد السوفيتي بالعمل معا قام بها هتلر خلال زيارة مولوتوف إلى برلين في نوفمبر 1940.

لكن مولوتوف اتبع بدقة تعليمات ستالين وحصر نفسه في مناقشة عامة للفكرة الألمانية حول انضمام الاتحاد السوفيتي إلى الميثاق الثلاثي الذي وقعت عليه ألمانيا وإيطاليا واليابان في سبتمبر 1940 والموجه ضد المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.

لا عجب أنه في 17 نوفمبر أعطى مولوتوف التعليمات التالية لممثل مفوض الاتحاد السوفييتي في لندن إيفان مايسكي التي كان مفادها: "أحيطك علما... لم يتم توقيع أي اتفاق أو كان من المقرر التوقيع عليه في برلين. لقد تبادلنا وجهات نظرنا في برلين فقط... وكان من الواضح أن الألمان واليابانيين حريصون على دفعنا نحو الخليج والهند. ورفضنا مناقشة هذا الأمر لأننا نعتبر هذه النصيحة من جانب ألمانيا غير مناسبة". وفي 25 نوفمبر، وضعت القيادة السوفيتية نقطة في القضية، حيث طرحت شروطا غير مقبولة للنازيين رسميا على برلين، بما في ذلك انسحاب القوات الألمانية من فنلندا، ومعاهدة المساعدة المتبادلة بين بلغاريا والاتحاد السوفيتي، وعدد من البنود الأخرى.

وبالتالي استبعدت عمدا أية إمكانية للانضمام إلى الميثاق الثلاثي. ثبّت هذا الموقف بالتأكيد عزم فيورر بشن حرب على الاتحاد السوفيتي. وفي ديسمبر، وضع جانبا تحذيرات خبرائه الاستراتيجيين حول الخطر الكارثي المتمثل في وجود حرب على جبهتين، ووافق على خطة "بربروسا".

وفعل ذلك مع العلم أن الاتحاد السوفيتي كان القوة الرئيسية التي تصدت له في أوروبا وأن المعركة القادمة في الشرق ستحسم نتيجة الحرب العالمية ولم يكن لديه شك في سرعة ونجاح الحملة على موسكو.

وهنا أود أن أسلط الضوء على ما يلي: الدول الغربية في الواقع، وافقت في ذلك الوقت على الإجراءات السوفيتية واعترفت بنية الاتحاد السوفييتي ضمان أمنه القومي. وفي 1 أكتوبر 1939 قال ونستون تشرشل، اللورد الأول السابق للأميرالية البريطانية آنذاك، في خطابه في الإذاعة: "اتبعت روسيا سياسة باردة للمصالح الذاتية... ولكن لحماية روسيا من التهديد النازي من الواضح أنه كان يجب على الجيوش الروسية أن تقف على هذا الخط [المقصود هنا الحدود الغربية الجديدة]". وفي 4 أكتوبر 1939 تحدث وزير الخارجية البريطاني هاليفاكس في مجلس اللوردات قائلا: "... يجب التذكير بأن تصرفات الحكومة السوفيتية كانت تكمن في نقل الحدود بشكل أساسي إلى الخط الذي أوصى به اللورد كرزون في مؤتمر فرساي... أنا أستشهد فقط بالحقائق التاريخية وأظن أنها لا تقبل الجدل". وأكد السياسي البريطاني البارز ورجل الدولة د. لويد جورج على أن "الجيوش الروسية احتلت الأراضي غير البولندية والتي استولت عليها بولندا بالقوة بعد الحرب العالمية الأولى... سيكون من الجنون الإجرامي وضع التقدم الروسي على قدم المساواة مع التقدم الألماني".

هذا وكان الدبلوماسيون البريطانيون والسياسيون رفيعو المستوى يتكلمون بصراحة أكبر في أحاديثهم غير الرسمية مع الممثل المفوض السوفيتي إ. مايسكي. ففي 17 أكتوبر 1939، قال له نائب نائب وزير الخارجية البريطاني ر. أ. بتلر ما يلي: ".. إن الدوائر الحكومية البريطانية تعتقد أنه لا يمكن أن يكون هناك شك في مسألة إرجاع غرب أوكرانيا وبيلاروسيا إلى بولندا. إذا كان من الممكن إقامة دولة بولندية على أساس إثني ذات حجم متواضع، في ظل تقديم ضمانات من جانب ليس فقط الاتحاد السوفيتية وألمانيا، ولكن أيضًا بريطانيا وفرنسا، لكانت الحكومة البريطانية تعتبر نفسها راضية تماما".

وفي 27 أكتوبر 1939، قال كبير مستشاري تشامبرلين، إتش. ويلسون: " يجب استعادة بولندا كدولة مستقلة على أساسها الإثنوغرافي، ولكن بدون غرب أوكرانيا وبيلاروسيا".

ومن الجدير بالذكر أنه اتضح خلال هذه المحادثات عن توفر تربة خصبة لتحسين العلاقات البريطانية السوفيتية. وقد ضعت هذه الاتصالات إلى حد كبير الأساس للتحالف المستقبلي والتحالف ضد هتلر. برز تشرشل بين سياسيين آخرين مسؤولين وبعيدين النظر، وعلى الرغم من كراهيته المعروفة للاتحاد السوفيتي، إلا أنه كان يدعو حتى قبل هذا الوقت إلى التعاون مع السوفيت. ففي مايو 1939، قال في مجلس العموم: "سنكون في خطر مميت إذا فشلنا في إنشاء تحالف كبير ضد العدوان. أسوأ حماقة هو إبعاد أي تعاون طبيعي مع روسيا السوفيتية". وبعد اندلاع القتال في أوروبا، في اجتماعه مع ماييسكي في 6 أكتوبر 1939، قال: " .. لا توجد تناقضات جدية بين المملكة المتحدة والاتحاد السوفيتي، وبالتالي، ليس هناك سبب لعلاقات متوترة أو غير مرضية. إن الحكومة البريطانية تعرب عن رغبتها في تطوير العلاقات التجارية. وهي على استعداد لمناقشة أي إجراءات أخرى من شأنها تحسين العلاقات.

لم تقع الحرب العالمية الثانية بين عشية وضحاها، ولم تبدأ بشكل مفاجئ. ولم يأت العدوان الألماني على بولندا من العدم. بل كانت نتيجة للكثير من النزعات والعوامل المتراكمة في السياسة العالمية في ذلك الوقت.

لقد تراصت جميع أحداث ما قبل الحرب في سلسلة واحدة مميتة لكن، بلا شك، كانت العوامل الرئيسية التي حددت مسبقا أكبر مأساة في تاريخ البشرية هي أنانية الدولة، والجبن، واسترضاء المعتدي الذي كان يزداد قوة يوما بعد يوم، فضلا عن عدم استعداد النخب السياسية للبحث عن حلول وسط.

لذلك، ليس من العدل الادعاء بأن زيارة وزير الخارجية النازي ريبنتروب التي استغرقت يومين إلى موسكو كانت السبب الرئيسي في اندلاع شرارة الحرب العالمية الثانية. إن جميع الدول الكبرى لها نصيب من المسؤولة على اندلاعها. كل واحدة منها ارتكبت أخطاء قاتلة، معتقدة بعنجهية أنه يمكنها التفوق على الآخرين، وضمان مزايا أحادية الجانب لنفسها أو تجنب الكارثة العالمية الوشيكة. لقد كلف قصر النظر هذا، فضلا عن رفض إنشاء نظام أمن جماعي، كلف البشرية ملايين الأرواح وخسائر فادحة.

إنني أكتب هذا الكلام وليس لدي أدنى نية بأي حال من الأحوال لعب دور القاضي أو اتهام أي شخص أو تبرئته، ناهيك عن التسبب في إطلاق جولة جديدة من المواجهة الدولية للمعلومات في المجال التاريخي والتي يمكن أن تزرع بذور الخلاف بين البلدان والشعوب.

أعتقد أن من يجب أن يبحث عن تقييم متوازن لما حدث هو المجتمع الأكاديمي الذي يضم تمثيلا واسعا من العلماء المحترمين من مختلف دول العالم. فكلنا بحاجة إلى الحقيقة والموضوعية. من جهتي، أنا دائما كنت أشجع زملائي وأحثهم على إقامة حوار هادئ ومنفتح ومبني على الثقة، للنظر إلى الماضي المشترك بطريقة ناقدة ونزيهة. إن مثل هذه المقاربة سيجعل من الممكن عدم تكرار الأخطاء التي ارتكبت في ذلك الوقت، مع ضمان التنمية السلمية والناجحة لسنوات قادمة.

في ذات الوقت، يظل العديد من شركائنا غير مستعدين للعمل المشترك. بل على العكس من ذلك يقومون، سعياً وراء أهدافهم، بزيادة عدد وحجم الهجمات الإعلامية ضد بلدنا، محاولين دفعنا لتقديم الأعذار والشعور بالذنب، بل ولكي نتبنى بشكل كامل تصريحات منافقة وذات دوافع سياسية. وهكذا، على سبيل المثال، اتهم القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي في 19 سبتمبر 2019 "بشأن أهمية الحفاظ على الذاكرة التاريخية من أجل مستقبل أوروبا" اتهم الاتحاد السوفيتي صراحة، بجانب ألمانيا النازية، في اندلاع الحرب العالمية الثانية. وبالطبع، لا يوجد ذكر لميونيخ على الإطلاق في هذا القرار.

أرى أن مثل هذه "الأوراق"، لا أستطيع وصف هكذا قرار بالوثيقة، التي تستهدف بوضوح إثارة فضيحة، محفوفة بتهديدات حقيقية وخطيرة. المثير أنه قد تم إقراره من قبل مؤسسة محترمة للغاية. وماذا يظهر ذلك؟ ومن المؤسف أن هذا يكشف عن سياسة مدروسة تهدف إلى تدمير النظام العالمي الذي تشكل بعد الحرب، والذي كان إقامته مسألة شرف ومسؤولية للدول التي صوت عدد من ممثليها اليوم لصالح هذا القرار المخادع. وبهذا الشكل طعنوا في مخرجات محكمة نورمبرغ، بل وجهود المجتمع الدولي التي أنشأت المؤسسات الدولية العالمية بعد عام النصر في 1945.

وأنوه في هذا الصدد بأن عملية التكامل الأوروبي نفسها التي أدت إلى إنشاء الهياكل ذات الصلة، بما في ذلك البرلمان الأوروبي، أصبحت ممكنة فقط بسبب الدروس المستفادة من الماضي وتقييمها القانوني والسياسي الدقيق. وأولئك الذين وضعوا هذا الإجماع عمداً موضع تساؤل يقوضون أسس أوروبا كلها بعد الحرب.

وبالإضافة إلى تهديد المبادئ الأساسية للنظام العالمي، يطرح هذا التصرف أيضا بعض القضايا الأخلاقية. إنه بمثابة تدنيس وإهانة للذاكرة. إن الدناءة قد تكون متعمدة في أحيان كثيرة، كما هو الحال عندما تذكر البيانات والتصريحات التي تحيي الذكرى السنوية الـ75 لنهاية الحرب العالمية الثانية جميع المشاركين في التحالف المناهض لهتلر باستثناء الاتحاد السوفيتي.

قد تكون الدناءة جبانة أيضا، كما هو الحال، عندما يتم هدم النصب التذكرية المقامة تكريما لأولئك الذين حاربوا ضد النازية، وهذه الأعمال المخزية تبررها الشعارات الكاذبة للقتال ضد أيديولوجية غير مرحب بها واحتلال مزعوم. يمكن أن يكون الدناءة أيضًا دموية كما هو الحال عندما يقتل ويحرق أولئك الذين يخرجون ضد النازيين الجدد وخلفاء بانديرا. مرة أخرى، يمكن أن يكون للمعنى مظاهر مختلفة، لكن هذا لا يجعله أقل إثارة للاشمئزاز.

إن طي دروس التاريخ في صفحات النسيان يؤدي حتما إلى أثمان باهظة. نحن سنتمسك بالحقيقة المبنية على الحقائق التاريخية الموثقة. سنواصل الحديث بصدق ونزاهة بشأن أحداث الحرب العالمية الثانية. يتضمن ذلك مشروعًا واسع النطاق لإنشاء أكبر مجموعة من السجلات الأرشيفية ومواد الأفلام والصور الفوتوغرافية الروسية حول تاريخ الحرب العالمية الثانية وفترة ما قبل الحرب.

هذا العمل جار بالفعل. حيث يتم استخدام العديد من الوثائق والمواد الجديدة التي تم اكتشافها أو رفع السرية عنها في إعداد هذه المقالة. في هذا الصدد، يمكنني أن أقول بكل مسؤولية إنه لا توجد وثائق أرشيفية من شأنها أن تثبت الرواية القائلة بأن الاتحاد السوفيتي كان ينوي شن حرب وقائية ضد ألمانيا. لقد اتبعت القيادة العسكرية السوفيتية بالفعل عقيدة تنص على أن الجيش الأحمر، في حالة العدوان، سيواجه العدو على الفور، ويشن الحرب الهجومية ويشن الحرب على أراضي العدو. ومع ذلك، فإن هذه الخطط الاستراتيجية لا تعني توفر النية للسبق في مهاجمة ألمانيا.

اليوم بالطبع، أصبحت وثائق التخطيط العسكري، وخطابات تعليمات المقر السوفيتي والألماني متاحة للمؤرخين. أخيرا، نحن نعرف المسار الحقيقي للأحداث. من منظور هذه المعرفة، يجادل الكثيرون حول أفعال القيادة العسكرية والسياسية للبلاد وأخطائها وسوء تقديرها. في هذا الصدد، سأقول شيئًا واحدًا: جنبًا إلى جنب مع تدفق ضخم من المعلومات الخاطئة بمختلف أنواعها، تلقى القادة السوفيت أيضًا معلومات حقيقية حول العدوان النازي القادم. وفي أشهر ما قبل الحرب، اتخذوا خطوات لتحسين الاستعداد القتالي للبلاد، بما في ذلك التجنيد السري لجزء من المسؤولين عن الخدمة العسكرية للتدريب العسكري وإعادة نشر الوحدات والاحتياطيات من المناطق العسكرية الداخلية إلى الحدود الغربية.

إن الحرب لم تأت كمفاجأة، بل كان الناس يتوقعونها، ويستعدون لها. لكن الهجوم النازي لم يسبق له مثيل من حيث قوته التدميرية. في 22 يونيو 1941، واجه الاتحاد السوفيتي الجيش الأقوى والأكثر حشدًا ومهارة في العالم والذي كان مسخرة له القدرات الصناعية والاقتصادية والعسكرية لجميع بلدان أوروبا تقريبًا. ليس فقط الفيرماخت، ولكن أيضًا الأقمار الصناعية الألمانية، الوحدات العسكرية للعديد من الدول الأخرى في القارة الأوروبية، شاركت في هذا الغزو القاتل.

لقد وضعت الهزائم العسكرية الضخمة في عام 1941 البلاد على حافة الكارثة. كان لا بد من استعادة القوة والسيطرة القتالية بالوسائل الطارئة فوق العادية، والتعبئة على مستوى الدولة وتكثيف جميع جهود الدولة والشعب. في صيف عام 1941، بدأ إجلاء الملايين من المواطنين والمئات من المصانع والصناعات تحت نيران العدو إلى شرق البلاد. بدأ تصنيع الأسلحة والذخائر، التي بدأ توريدها إلى الجبهة بالفعل في الشتاء العسكري الأول، في أقصر وقت ممكن، وبحلول عام 1943، تم تجاوز معدلات الإنتاج العسكري لألمانيا وحلفائها. في غضون ستة أشهر، فعل الشعب السوفيتي شيئًا بدا مستحيلًا. سواء على الخطوط الأمامية أو الجبهة الداخلية. لا يزال من الصعب إدراك وفهم وتصور ما تستحقه هذه الجهود العظيمة والشجاعة والتفاني من إنجازات عظيمة.

لقد هبت ضد القوى الغاشمة المدججة بالسلاح المدعومة بآلة الغزو النازي التي تمارس القتل بدم بارد، هبت إرادة المجتمع السوفيتي التي توحدت بالرغبة في حماية أرضهم، نهضت للانتقام من العدو الذي كسر وداس الحياة السلمية وخطط الناس وآمالهم.

بالطبع كان الخوف والارتباك واليأس يسيطر على بعض الناس خلال هذه الحرب الرهيبة والدموية. كانت هناك خيانة وهجر. كان للانقسام القاسي الناجم عن الثورة والحرب الأهلية والعدمية والاستهزاء بالتاريخ الوطني والتقاليد والإيمان التي حاول البلاشفة فرضها، خاصة في السنوات الأولى بعد وصولهم إلى السلطة - كل هذا كان له تأثيره. لكن الموقف العام للأغلبية المطلقة للمواطنين السوفيت ومواطنينا الذين وجدوا أنفسهم في الخارج كان مختلفًا - لإنقاذ الوطن وحمايته. كان دافعًا حقيقيًا لا يمكن كبحه. كان الناس يبحثون عن الدعم في القيم الوطنية الحقيقية.

كان "علماء الاستراتيجية" النازيون واثقين بأنه يمكن بسهولة السيطرة على دولة ضخمة متعددة الجنسيات. كانوا يعتقدون أن اندلاع الحرب المفاجئ، الذي لا رحمة لها، والمصاعب التي لا تطاق لا بد أن تؤدي إلى تفاقم العلاقات بين الأعراق. وأن البلاد يمكن تقسيمها إلى قطع. صرح هتلر بوضوح: "يجب أن تكون سياستنا تجاه الشعوب التي تعيش في مساحة شاسعة من روسيا تعزيز أي شكل من أشكال الخلاف والانقسام".

ولكن منذ الأيام الأولى، كان من الواضح أن الخطة النازية ستبوء بالفشل. لقد تم الدفاع عن قلعة بريست محمية حتى آخر قطرة دم من قبل المدافعين عنها من أكثر من 30 عرقا. طوال الحرب، لم يكن إنجاز الشعب السوفيتي يعرف حدودًا وطنية - سواء في المعارك الحاسمة على نطاق واسع وفي حماية كل موطئ قدم وكل متر من تراب الوطن.

لقد أصبحت منطقة الفولغا والأورال وسيبيريا والشرق الأقصى وجمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز وطنا جديدا للملايين الذين تم إجلاؤهم، حيث شاركوا سكانها وقدموا لهم كل الدعم. أصبحت صداقة الشعوب ومساعدتهم المتبادلة للعدو حصنًا حقيقيًا لا يمكن تدميره.

لقد قدم الاتحاد السوفيتي، ممثلا في الجيش الأحمر، المساهمة الرئيسية والحاسمة في هزيمة النازية، بغض النظر عما يحاولون إثباته. إن الأبطال الذين قاتلوا حتى النهاية تحت الحصار ببياليستوك وموجيليف وعمان وكييف وفيازما وخاركوف، ذهبوا في الهجوم بالقرب من موسكو وستالينغراد ، سيفاستوبول وأوديسا ، كورسك وسمولينسك. حرروا وارسو وبلغراد وفيينا وبراغ. ومن ثم اقتحام كونيغسبرغ وبرلين.

نحن ندافع عن الحقيقة غير الملونة أو المحرفة حول الحرب. هذه الحقيقة الإنسانية، القاسية والمريرة، نقلها إلينا الكتاب والشعراء الذين مروا بالنار والجحيم من تجارب الخطوط الأمامية. بالنسبة لي، كما هو الحال بالنسبة للأجيال الأخرى، أصبحت قصصهم الرقيقة العميقة، ورواياتهم، و "نثر الملازم" والقصائد بصماتهم على الروح إلى الأبد، وصية - لتكريم المحاربين القدامى الذين فعلوا كل ما بوسعهم من أجل النصر لتذكر أولئك الذين بقوا في ساحات القتال.

واليوم، تظل الأبيات والسطور البسيطة والرائعة لقصيدة ألكسندر تواردوفسكي " قٌتِلت على مشارف رجيف ..."، المكرسة للجنود الذين شاركوا في المعركة الوحشية الدامية من معارك الحرب الوطنية العظمى التي جرت وقائعها في المنطقة المركزية من الجبهة السوفيتية الألمانية. فقط خلال المعارك التي جرت حول مدينة رجيف ومحيطها في الفترة من أكتوبر 1941 إلى مارس 1943 بلغت خسائر الجيش الأحمر، بما في ذلك الجرحى والمفقودين، مليونا و342 ألفا و888 شخصا.

إنني أذكر هذه الأرقام المخيفة والمأساوية، التي تم جمعها من المصادر الأرشيفية، والتي لا تزال بعيدة عن الأرقام الكاملة، أذكرها للمرة الأولى، أذكرها تكريما لذكرى الأبطال المعروفين والمجهولين، الذين كان يُذكرون في سنوات ما بعد الحرب، لأسباب مختلفة، بشكل غير مستحق، بشكل غير عادل أو في كان يلفهم الصمت تام.

وسأذكر كذلك وثيقة أخرى، وهي تقرير اللجنة الدولية لتعويضات الحروب من ألمانيا، التي كان يرأسها إ. مايسكي، والذي تم إعداده في فبراير 1945. وكان من بين مهام اللجنة تحديد الصيغة التي بموجبها كان يجب على ألمانيا المهزومة أن تقوم بتعويض الخسائر والضرر الذي تعرضت له القوى المنتصرة. لقد خلصت اللجنة إلى الاستنتاج التالي: " يتجاوز عدد الأيام التي قضاها الجنود الألمان على جبهة الاتحاد السوفيتي عدد الأيام على جميع جبهات التحالف الأخرى 10 مرات على الأقل. كما استُنفذت على الجبهة السوفيتية أربعة أخماس الدبابات الألمانية وحوالي ثلثي الطائرات الألمانية". بوجه عام، بلغت حصة الاتحاد السوفييتي حوالي 75 في المائة من جميع الجهود العسكرية للتحالف المناهض لهتلر. وعلى مدى سنوات الحرب نجح الجيش الأحمر في "تحطيم" 626 فرقة عسكرية تابع لدول "المحور"، 508 منها كانت ألمانية.

في 28 أبريل 1942، قال روزفلت في خطابه الذي وجهه للأمة الأمريكية: "لقد دمرت القوات الروسية وتواصل تدمير المزيد من القوى العاملة وطائرات ودبابات ومدافع عدونا المشترك أكثر من باقي جميع الأمم المتحدة مجتمعة". اما تشرشل، فكتب في رسالة إلى ستالين في 27 سبتمبر 1944 أن "الجيش الروسي هو الذي أخرج أمعاء الآلة العسكرية الألمانية ...".

لقد كان لهذا التقييم صداه في جميع أنحاء العالم، لأن هذه العبارات والكلمات حوت الحقيقة العظيمة التي لم ينطق بها أحد بعد ذلك.

لقد استشهد حوالي 27 مليون مواطن سوفيتي على الجبهات وفي الأسر لدى الألمان ومن الجوع وتحت القصف وفي أفران المعسكرات النازية. خسر الاتحاد السوفيتي واحدا من كل سبعة من مواطنيه، في حين خسرت بريطانيا العظمى واحدا من كل 127 مواطنا، والولايات المتحدة واحد من كل 320 مواطنا. وللأسف الشديد، لا يعد هذا العدد من الخسائر الثقيلة والجسيمة التي لا يمكن تعويضها بحال والتي تحملها الاتحاد السوفيتي رقما نهائيا. فلا يزال علينا مواصلة العمل الشاق لإثبات أسماء ومصائر جميع القتلى: جنود الجيش الأحمر، المتطوعون، العمال وأسرى الحرب ومعسكرات الاعتقال، المدنيون الذين قتلوا. هذا واجبنا وهنا الدور الخاص للمشاركين في البحث والجمعيات العسكرية والوطنية التطوعية، ولمشاريع مثل قاعدة البيانات الإلكترونية التي تحمل اسم "ذاكرة الشعب"، والتي تقوم على أساس الوثائق الأرشيفية. وبالطبع، يحتاج إنجاز هذا العمل، الذي يعد بمثابة مهمة إنسانية مشتركة، إلى تعاون دولي وثيق.

ساهمت دول وشعوب كثيرة في تحقيق النصر على العدو المشترك، فدافع الجيش البريطاني عن وطنه من الغزو، وحارب ضد النازيين وأتباعهم في البحر الأبيض المتوسط ​، في شمال أفريقيا. وحررت القوات الأمريكية والبريطانية إيطاليا ، وفتحت الجبهة الثانية، ووجهت الولايات المتحدة ضربات قوية وساحقة للمعتدي في المحيط الهادئ. ونحن ننفهم تضحيات الشعب الصيني الضخمة ودوره الهائل في هزيمة العسكريين اليابانيين. ولن ننسى مقاتلي "فرنسا المكافحة" ، الذين لم يعترفوا بالاستسلام المشين، واستمروا في قتال النازيين.

سنكون دائما ممتنين للمساعدة التي قدمها الحلفاء، حيث زودوا الجيش الأحمر بالذخيرة والمواد الخام والأغذية والمعدات. وكانت تلك مساعدة كبيرة - حوالي سبعة بالمائة من إجمالي الإنتاج العسكري للاتحاد السوفيتي.

بدأت نواة التحالف المناهض لهتلر تتشكل فورا بعد الهجوم على الاتحاد السوفياتي، عندما دعمته الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى دون قيد أو شرط في الحرب ضد ألمانيا الهتلرية.

وأثناء مؤتمر طهران لعام 1943، شكل ستالين وروزفلت وتشرشل تحالفا من القوى العظمى، واتفقوا على إعداد دبلوماسية تحالفية، واستراتيجية مشتركة ضد الخطر القاتل الذي يهدد الجميع.

و كان لدى قادة الدول الثلاثة الكبرى فهم واضح بأن توحيد الموارد الصناعية والقدرات والعسكرية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا سيخلق تفوقًا على العدو، لا يمكن إنكاره.

نفذ الاتحاد السوفياتي كامل التزاماته تجاه الحلفاء، ومد يد لهم المساعدة دائما. وبعملية "باغراتيون" التي شنها  الجيش الأحمر في بلوروسيا، دعم الجيش الأحمر إنزال القوات الأنجلو أمريكية في النورماندي. وفي يناير 1945، عندما اقتحم جنودنا نهر أودر، وضعوا نهاية الهجوم القوي الأخير لقوات الفيرماخت على الجبهة الغربية، في آردين.

وبعد ثلاثة أشهر من الانتصار على ألمانيا، والتزاما باتفاقيات يالطا، أعلن الاتحاد السوفياتي الحرب على اليابان، وهزم جيش كوانتونغ المليوني.

في يوليو 1941، أعلنت القيادة السوفييتية أن "الهدف من الحرب ضد المضطهِدين الفاشيين لا يقتصر على تصفية التهديد الذي يلوح في الأفق على بلدنا، ولكنه يشمل أيضا مساعدة جميع شعوب أوروبا التي تئن تحت نير الفاشية الألمانية". وبحلول منتصف عام 1944 ، تم طرد العدو من جميع الأراضي السوفيتية تقريبا. ولكن كان ينبغي القضاء عليه في وكره، وحتى النهاية.

وبدأ الجيش الأحمر مهمة تحرير في أوروبا، وأنقذ شعوبا بأكملها من الدمار والاستعباد، ومن فظاعة المحرقة. وتمت عملية الإنقاذ بتضحيات الآلاف من الجنود السوفييت الذين سقطوا في ساحات القتال.

ومن المهم أن لا ننسى المساعدات المادية الضخمة التي قدمها الاتحاد السوفيتي  للبلدان المحررة للقضاء على خطر الجوع، ولاحياء الاقتصاد والبنية التحتية.

وقام بذلك في وقت كان فيه رماد الخراب يمتد لآلاف الأميال من بريست الى موسكو وحوض الفولغا. وعلى سبيل المثال، في مايو 1945، طلبت الحكومة النمساوية من اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية تقديم مساعدات غذائية، حيث "لم تكن تعرف كيف تطعم سكانها في الأسابيع السبعة المقبلة، أي لحين موسم الحصاد الجديد". مستشار الدولة للحكومة المؤقتة للجمهورية النمساوية ، ك. رينر وصف موافقة القيادة السوفيتية على إرسال الطعام إلى بلده بأنها "عمل إنقاذي..." لن "ينساه النمساويون أبدا".

أنشأ الحلفاء بشكل مشترك المحكمة العسكرية الدولية، لمعاقبة المجرمين السياسيين ومجرمي الحرب. وتضمنت قراراتها توصيفا حقوقيا دقيقا للجرائم ضد الإنسانية مثل الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والديني ومعاداة السامية وكراهية الأجانب.    مباشرة وبشكل لا لبس فيه، أدانت محكمة نورمبرغ شركاء النازيين والمتعاونين من مختلف الأطياف.

هذه الظواهر المخزية حصلت في جميع الدول الأوروبية.  وشخصيات مثل  بيتان ، كويزلينج ، فلاسوف ، بانديرا ، وأتباعهم، على الرغم من أنهم لبسوا لبوس المقاتلين من أجل الاستقلال الوطني أو التحرر من الشيوعية، فهم خونة وسفاحون، حتى أنهم فاقوا غالبا أسيادهم في اللإنسانية. وسعيا لكسب رضى سادتهم شاركوا بكل رغبة في أعمال التنكيل والانتقام، وغيرها من المهمام  والاعمالهم الدموية، كمذابح بابي يار ، وفولين ، وإحراق خاتين ، وأعمال إبادة اليهود في ليتوانيا ولاتفيا.

واليوم، لايزال موقفنا دون تغير، فلا يمكن أن يكون هناك أي تبرير للأفعال الإجرامية لشركاء النازية، فهي لا تسقط بالتقادم. لذلك من المحير أن أولئك الذين  لطخوا أنفسهم بالتعاون مع النازيين، باتوا في عدد من البلدان فجأة يوضعون على قدم المساواة مع قدامى المحاربين في الحرب العالمية الثانية.

أرى أن من غير المقبول المساواة بين المحررين والمحتلين، ولا يمكن اعتبار تمجيد المتواطئين النازيين إلا خيانة لذكرى آبائنا وأجدادنا، وخيانة لتلك المثل العليا التي وحدت الشعوب في الحرب ضد النازية.

لقد واجه قادة الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة وبريطانيا العظمى مهمة تاريخية دون مبالغة. كان ستالين وروزفلت وتشرشل يمثلون بلدانا لها أيديولوجيات مختلفة، وتطلعات متباينة على مستوى الدولة، ومصالح وثقافات مختلفة أيضا.. ولكنهم أبدوا  إرادة سياسية عظيمة، وارتفعوا فوق التناقضات والأهواء، ووضعوا مصالح العالم الحقيقية في المقدمة. ونتيجة لذلك ، تمكنوا من التوصل إلى اتفاق وحل، كانا كسبا للبشرية جمعاء.

لقد تركت لنا الدول المنتصرة نظاما أصبح جوهر البحث الفكري والسياسي لعدة قرون. أما سلسلة المؤتمرات - طهران ، يالطا ، سان فرانسيسكو ، بوتسدام – فقد أرست الأساس لحقيقة أن العالم يعيش بدون حرب عالمية منذ 75 عاما، على الرغم مما يشهده من تناقضات حادة.

إن تحريف التاريخ، الذي نلاحظه الآن في الغرب، وخاصة فيما يتعلق بموضوع الحرب العالمية الثانية ونتائجها، أمر خطير لأنه يشوه بشكل فاضح مبادئ التطور السلمي التي حددها مؤتمرا يالطا وسان فرانسيسكو عام 1945.

كان الإنجاز التاريخي الرئيسي ليالطا والقرارات الأخرى في ذلك الوقت هو الاتفاق على إنشاء آلية تسمح للقوى الرائدة بالبقاء في إطار الدبلوماسية لحل الخلافات الناشئة بينها.

حمل القرن العشرون نزاعات عالمية واسعة، وفي عام 1945 ، دخلت الحلبة أسلحة نووية يمكن أن تدمر الأرض ، وبعبارة أخرى ، أصبحت تسوية المنازعات بالقوة خطيرة للغاية. وقد أدرك المنتصرون في الحرب العالمية الثانية ذلك. لقد فهموا وأدركوا مسؤوليتهم تجاه الإنسانية.

والتجربة المحزنة لعصبة الأمم في عام 1945، أُخذت بعين الاعتبار. فتم ابتداع هيكلية مجلس الأمن بطريقة تجعل ضمانات السلام محددة وفعالة قدر الإمكان. وهكذا جاءت مؤسسة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وحق النقض كامتياز ومسؤولية.

ما هو حق النقض في مجلس الأمن الدولي؟ بصراحة ، هذا هو البديل المعقول الوحيد للصدام المباشر بين الدول الكبرى. وهو أن تعلن إحدى القوى الخمس بأن هذا القرار او ذاك غير مقبول بالنسبة لها، و يتعارض مع مصالحها وتصوراتها حول المقاربة الصحيحة. والبلدان الأخرى ، حتى لو لم توافق على ذلك ، تأخذ هذا الموقف كمعطى معين، متخلية عن محاولاتها لتحقيق تطلعاتها الأحادية. أي بطريقة أو بأخرى، يجب البحث عن حلول وسط.

بدأت مواجهة عالمية جديدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة وكانت في بعض الأحيان ضارية للغاية. وحقيقة أن الحرب الباردة لم تتطور إلى حرب عالمية ثالثة أكدت بشكل مقنع فعالية الاتفاقات التي أبرمتها الدول الثلاث الكبرى. إن قواعد السلوك التي اُتفق عليها أثناء إنشاء الأمم المتحدة جعلت من الممكن تقليل المخاطر إلى أدنى حد، وإبقاء المواجهة تحت السيطرة.

نحن نرى، طبعا، أن منظومة الأمم المتحدة تعمل الآن بتوتر، وليس بالكفاءة الممكنة. ولكن الأمم المتحدة تواصل أداء وظيفتها الأساسية. إن مبادئ مجلس الأمن الدولي هي آلية فريدة لتفادي نشوب حرب كبرى أو صراع عالمي.

إن الدعوات والمطالبات التي تتردد  في كثير من الأحيان في السنوات الأخيرة لإلغاء حق النقض وحرمان الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن من الإمكانات الخاصة، هي في الواقع دعوات ومطالبات غير مسؤولة. وإذا حدث ذلك ، فإن الأمم المتحدة سوف تتحول، في جوهر الأمر، إلى عصبة أمم، أي الى اجتماع للأحاديث الفارغة المجردة من أية أذرع للتأثير على العمليات العالمية. ومعروف للجميع ما انتهت إليه عصبة الأمم. هذا هو السبب الذي جعل القوى المنتصرة تتناول بجدية بالغة تشكيل نظام عالمي جديد، حتى لا تكرر أخطاء سابقاتها.

إن إنشاء وإقامة نظام حديث للعلاقات الدولية هو أحد أهم نتائج الحرب العالمية الثانية. فحتى أكثر التناقضات التي لا يمكن التوفيق بينها - الجيوسياسية والأيديولوجية والاقتصادية - لا تعيق إيجاد أشكال من التعايش والتفاعل السلمي ، إذا كانت هناك رغبة وإرادة لذلك.

العالم اليوم لا يمر بأكثر الأوقات سلمية. فكل شيء يتغير: من ميزان القوة والنفوذ العالمي إلى الأسس الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية لحياة مجتمعات ولدول وقارات بأكملها. إن تغيرات بهذا الحجم، في العصور الماضية، لم تكن تنتهي عمليا بدون صراعات عسكرية كبيرة، دون صراع على السلطة لبناء تراتبية عالمية جديدة. بفضل حكمة وبعد نظر القادة السياسيين للقوى المتحالفة، أمكن إنشاء نظام يحول دون المظاهر المتطرفة لمثل هذا التطور الموضوعي، الذي يتميز بها التنافس تاريخيا.

إن واجبنا، واجب جميع أولئك الذين يتحملون المسؤولية السياسية، وفي المقام الأول ممثلو القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، هو ضمان الحفاظ على هذا النظام وتحسينه. واليوم ، كما في عام 1945 من المهم إبداء الإرادة السياسية ومناقشة المستقبل معا.

زملائنا - السادة شي جين بينغ ، ماكرون ، ترامب ، جونسون - دعموا المبادرة الروسية لعقد اجتماع لقادة الدول النووية الخمس - الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. نشكرهم على ذلك، ونتوقع أن يتم هذا الاجتماع وجها لوجه في أقرب فرصة.

ما هو جدول أعمال القمة القادمة ؟ أولاً ، في رأينا ، من المستحسن مناقشة خطوات تطوير المبادئ الجماعية في الشؤون العالمية ، والحديث بصراحة عن حفظ السلام ، وتعزيز الأمن العالمي والإقليمي، والحد من الأسلحة الاستراتيجية، والجهود المشتركة في مكافحة الإرهاب ، والتطرف ، وغيرها من التحديات والتهديدات الملحة.

أما الموضوع المنفصل على جدول أعمال الاجتماع فهو الوضع في الاقتصاد العالمي، والتغلب- في المقام الأول- على الأزمة الاقتصادية الناجمة عن وباء الفيروس التاجي.   

 تتخذ بلداننا تدابير غير مسبوقة لحماية صحة الناس وحياتهم، لدعم المواطنين الذين وجدوا أنفسهم في أوضاع معيشية صعبة. ولكن مدى خطورة عواقب هذا الوباء ، ومدى سرعة خروج الاقتصاد العالمي من الركود ، ترتبط بقدرتنا على العمل معا وبالتضافر، كشركاء حقيقيين. علاوة على ذلك ، من غير المقبول تحويل الاقتصاد إلى أداة للضغط والمواجهة. من بين الموضوعات المطلوبة حماية البيئة ومعالجة  تغيرات المناخ ، بالإضافة إلى ضمان أمن فضاء المعلومات العالمي.

إن جدول أعمال "قمة الخمس" القادمة التي اقترحتها روسيا مهمة للغاية وحيوية لبلادنا وللعالم أجمع. ولدينا أفكار ومبادرات محددة حول كافة البنود.

لا مجال للشك في أن قمة روسيا والصين وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا العظمى ستلعب دورًا مهمًا في إيجاد ردود مشتركة على التحديات والتهديدات المعاصرة وإظهار الولاء المشترك لروح التحالف، لتلك المثل والقيم الإنسانية السامية التي حارب من أجلها الآباء والأجداد.

استنادا إلى الذاكرة التاريخية المشتركة، يمكننا، ويجب علينا، أن نثق ببعضنا البعض.

سيكون هذا بمثابة أساس متين للمفاوضات الناجحة والإجراءات المنسقة من أجل تعزيز الاستقرار والأمن على هذا الكوكب، من أجل ازدهار ورفاهية جميع الدول.

وبدون مبالغة، هذا هو واجبنا ومسؤوليتنا المشتركة أمام العالم كله، أمام الأجيال الحالية والقادمة.

 

 

 

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا