عام على مصرع غلينكا

مجتمع

انسخ الرابطhttps://r.rtarabic.com/jo40

يمر اليوم عام على مصرع 92 شخصا كانوا على متن طائرة تو 154 المتجهة من سوتشي إلى قاعدة حميميم الجوية في سوريا.

من بين هؤلاء 69 فنانا من فرقة أليكسندروف العسكرية التابعة للجيش الروسي، والطبيبة الشهيرة يليزافيتا غلينكا الشهيرة بـ "دكتور ليزا" وعدد من الصحفيين والمصورين.

ولد المؤلف الروسي الشهير ميخائيل غلينكا (1804-1857) في عاصمة الإمبراطورية الروسية آنذاك بطرسبرغ، حيث يعد غلينكا بحق هو صانع الثقافة الموسيقية وأب الموسيقى الروسية الأكاديمية إذا شئت، ففي ذاك العصر وبتعبير الناقد الموسيقي الشهير ستاسوف " أسّس اللغة الروسية الجديدة كلّ من بوشكين في الشعر، وغلينكا في الموسيقى".

ولدت يليزافيتا غلينكا عام 1962،  تشابهت "دكتور ليزا" كما كان يعرفها الجميع مع المؤلف الروسي الشهير ميخائيل غلينكا في اسم العائلة، حيث ينتمي زوجها إلى سلالة المؤلف المعروف! وهي شخصية عامة مدافعة عن حقوق الإنسان، وطبيبة إفاقة، ورعاية تلطيفية (فرع الطب الذي يركّز على تخفيف أو منع معاناة المرضى الذين يخضعون للعلاج من أمراض يمكن الشفاء منها، أو المزمنة، أو الذين يقتربون من نهاية الحياة)، وهي أيضاً رئيسة جمعية "الإغاثة العادلة" وعضو في اللجنة الرئاسية لتطوير المجتمع المدني وحقوق الإنسان.

هاجرت دكتور ليزا عقب تخرّجها من كلية الطب بصحبة زوجها غليب غلينكا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك حصلت على الجنسية الأمريكية، والتحقت بدراسة الطب من جديد وحصلت على مؤهل طبي ثان في الرعاية التلطيفية عام 1991.

عملت ليزا في أحد مراكز الرعاية التلطيفية، حينما عادت هي وزوجها إلى أوكرانيا عام 1999، وأسست أول مركز رعاية تلطيفية لمرضى الأورام في كييف، وبعدها عاد الزوجان إلى موسكو عام 2007، وأسسا الجمعية الخيرية "الإغاثة العادلة"، وهو مركز يدعم مرضى الأورام الميئوس من شفائهم، والمرضى من الفقراء، كما يدعم المركز المشردين بلا مأوى ويؤسس نقاطاً للتدفئة لهم، ويمدّهم بالغذاء والمساعدة الطبية والقانونية.

مع بدء العمليات العسكرية في شرق وجنوب أوكرانيا شاركت دكتور ليزا في عمليات الإغاثة في منطقة النزاع المسلح، كما شاركت في عمليات الإغاثة في سوريا، وسافرت إلى هناك عدة مرات بصحبة حملات الإغاثة الروسية، وفي السابع من ديسمبر 2016 حصلت على جائزة الدولة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، وأثناء ذلك الاحتفال قالت الكلمات التالية:

"سوف أسافر غداً إلى دونيتسك (منطفة النزاع في أوكرانيا)، وبعد غد إلى سوريا شأني شأن عشرات المتطوعين العاملين في مجال الإغاثة.. إننا لا نعرف أبداً ما إذا كنّا سنعود أحياء أم لا، فالحرب هي الجحيم على الأرض. أنا أعرف جيداً ما أتحدث عنه".

في الخامس والعشرين من ديسمبر تحققت نبوءة الدكتور ليزا، بينما كانت على متن طائرة توبليف 154 المتجهة إلى سوريا بغرض المساعدة في عمليات الإغاثة، فسقطت الطائرة في البحر الأسود.

بصحبة الدكتور ليزا كانت الطائرة تقلّ 69 فناناً من فرقة الموسيقى والرقص العسكرية التابعة للجيش الروسي، بما في ذلك القائد الأساسي والمدير الفني الفريق فاليري خاليلوف، وكانوا يعتزمون تهنئة العسكريين العاملين في قاعدة حميميم برأس السنة الجديدة بحفل للفرقة في سوريا (ربما كانوا سيعزفون فيه مؤلفات لميخائيل غلينكا).

كان العسكريون في حميميم ينتظرون تلك الفرقة على أحر من الجمر، في ظل الحرب، وبين أطلال المدن السورية، وأصوات المدافع والقنابل وخطر الموت، كانوا ينتظرون تلك الريح الطيبة من الفنون والثقافة، هكذا يعتني الجيش الروسي بأبنائه، فيوفر لهم علاوة على وسائل القتال والدفاع المتطورة، والقواعد العسكرية التي تتوفر فيها سبل الراحة، فنّاً راقياً لا من أجل الترفيه أو الترويح، بل من أجل أن يعرفوا أن هذا ما يخوضون الحرب من أجله: الهوية والثقافة والفن والقيم والمبادئ.

لقيت دكتور ليزا غلينكا وزملاؤها مصرعهم في حادث الطائرة، وقبلها في القرن التاسع عشر رحل المؤلف الموسيقي الروسي ميخائيل غلينكا، لكن موسيقاه هي ما يكسب الثقافة الروسية معناها وهويتها، تماما كما ترسم بطولة ليزا والفرقة العسكرية والزملاء من الصحفيين أيقونات بطولية للحرب ضد الإرهاب.

المصدر: وكالات

محمد صالح

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا